أيها السادة الرأسماليون، ماذا بعد السوق الحرة ؟!

الجزء الثاني

 

 جليل شهباز

ثانياً: تحديد يوم العمل

 

إن يوم العمل: هي تلك المدة التي يضع فبها العامل قواه الجسدية والذهنية لخدمة صاحب العمل، أثناء دورة الانتاج لتندمج مع وسائل الإنتاج بغية الخيرات المادية، أو الخدمات الشخصية في مختلف المؤسسات الأقتصادية بغض النظر عن طول تلك المدة، قصرها. ولكن « في جميع الأحوال، إن يوم العمل،أقل من يوم طبيعي »1 وبما إن يوم العمل ليس مقدارا" ثابتا"، بل أنه متغير. فإن تبدله سيكون محصورا" ضمن حدود معينة. كما وأنه ليس هناك مجالا" للنص يوكد على الحد الأدنى للعمل، أو ليوم العمل. في حين يمكن القول بأن ذلك القسم من يوم العمل الذي يجدد فيه العامل قوة عمله هو الحد الأدنى ليوم العمل. ولكنه يجب أن نعلم بأنه إذا اقتصر عمل العامل على ذلك الحد فقط فأنه سوف لا ينتج قيمة زائدة لصاحب العمل، «  وعلى هذا الأساس إن الوقت الذي يعمل العامل خلاله هو الوقت الذي يستهلك خلاله الرأسمالي قوة العمل التي إشتراها فإذا إستهلك العامل الأجير، لنفسه الوقت المتيسر له، يكون قد سرق الرأسمالي »2. وبذلك فإن يوم العمل لا يمكن على الإطلاق أن يتقلص إلى ذلك الحد الأدنى من يوم العمل. بيد أن ليوم العمل حدا" أعلى ذات طبيعة مزدوجة:

 

أ ـ جسمانية.

ب ـ اجتماعية.

 

إن بمقدور الإنسان أن ينفق خلال يوم العمل حدا" معينا" فقط من قواه الجسمانية. وفي، نفس الوقت، لا يمكن على الاطلاق أن يشتغل العامل على امتداد 24 ساعة في اليوم. ذلك لأنه يجب على العامل أن ينال وقتا" محددا" ليجدد فيها قوة عمله، أي أنه يحتاج إلى فترة معينة للراحة والنوم وتناول الغذاء. وعليه فإن كل ذلك يتطلب حدا" فيزيكيا" ليوم العمل. وعلى هذا الأساس فإن إطالة يوم العمل يصطدم دوما" بحدود طبيعية أخلاقية وكذلك بالحدود الاجتماعية المشروطة بدرجة التطور الحضاري والأجتماعي في كل بلد أيضا". حيث أنه لا بد للعامل من وقت محدد للقيام بمختلف حاجاته الحياتية والروحية والفكرية، وبهذه الصورة يتم تحديد يوم العمل المعنوية والاجتماعية. ولكن تبدل يوم العمل من حيث الطول يتم وفقا" للحدود الفيزيكية، أي وفقا"، للطبيعة الجسمانية للعامل وكذلك بالحدود الاجتماعية المذكورة أيضا". غير أن هذه الحدود تتفاوت من حيث الأبعاد والمدد.

أما بهذا الصدد، فإن صاحب العمل يقوم في سوق العمل بشراء قوة العمل بقيمتها اليومية، ( وسيتم توضيح هذه المسألة لاحقا" )، ومن ثم يقوم باستخدام هذه القوة باعتبارها قيمة استعمالية خلال يوم العمل. ومن الطبيعي أنه سيحاول أن يسلب من العامل أكبر ما يمكن من العمل الفائض وسيحاول إطالة يوم العمل إلى أبعد الحدود.

 

ولكن صاحب العمل يصطدم دوما" في مساعيه الهادفة إلى إطالة يوم العمل بمقاومة العمال الذين يكافحون هم بدورهم بغية تقصير مدة العمل إلى أدنى حد ممكن، أو جعلها في حدودها الطبيعية. حيث أن كل ما يملكه العمال في هذا الأثناء هي قوة عملهم ولهذا السبب فينصب كل اهتمامهم على استخدام هذه القوة في حدود معينة. فأنهم يستخدمون حقهم كبائعين لقوة العمل ويساعدهم ذلك في النضال من أجل جعل يوم العمل في حدوده الطبيعية. أما صاحب العمل فيستخدم حقه كمشتري بغية إطالة يوم العمل إلى ما هو أبعد من حدوده الطبيعية. ولكن تنظيم يوم العمل يبرز في تاريخ النظام الاقتصادي الرأسمالي، كنضال من أجل تحديد مدته، كنضال بين الرأسمالية عموما"، أي طبقة الرأسماليين من جهة، وبين العمال بصفة عامة، أي العمال بوصفهم كطبقة اجتماعية من جهة أخرى. وبهذا فإن الطول الواقعي ليوم العمل يتحدد على أعقاب ذلك النضال الطبقي بين الرأسماليين والعمال. « ومن الجهة الاخرى فإن الطبيعة الخاصة للبضاعة المباعة تقتضي أن لا يكون استهلاكها من قبل المشتري غير محدود، والعامل بحكم حقه، كبائع، يدافع من أجل أن يحصر نهار العمل في مدة محدودة بصورة طبيعية، فثمة هنا ـ إذن ـ تناقض بين قانونين قانون إزاء قانون، وهما كلاهما يحملان سمة القانون الذي ينظم تبادل البضائع. وبين قانونين متساويين، إذن فمن منهما هو الذي يحكم ؟ القوة. لهذا السبب كان ضبط نهار العمل بقوانين يعرض ذاته في تاريخ الانتاج الرأسمالي بمثابة نضال تاريخي في سبيل تحديد يوم العمل بحدود، وهو نضال بين الرأسمالي، يعني الطبقة الرأسمالية، والشغيل، يعني الطبقة العاملة » 3.

 

إن النضال في سبيل يوم العمل قد عرف من خلال مرحلتين :

أ ـ مرحلة إطالة يوم العمل بفعل القانون.

ب ـ مرحلة تقليص يوم العمل وتحديده، أيضا"، بالقانون.

 

وللموضوع بقية....

 

المراجع

1ـ ج. كورسيل " المشروعات الصناعية " ص63، باريس 1857

2ـ ن. لانغيه " نظرية القوانين المدنية " ج2، ص96، لندن

3ـ ماركس، المصدر السابق، ص320