”الانتخابات“ المقبلة، عملية ديمقراطية 

ام مهـــزلة سياسية ؟!

جليل شهباز

Gelilshahbaz@yahoo.com

 

عندما نسمي الأنتخابات الحالية بمهزلة وضحك على الذقون، لا نقول ذلك جزافا بل نسعى من وراء ذلك الى كشف المضمون الفعلي لعملية ”الأنتخابات“ الحالية لجماهير العراق، حتى لا ينخدعوا مرة" ثانية بالوعود والاكاذيب التي تطلقها مختلف الأحزاب والقوى السياسية المذهبية والقومية الرجعية للجماهير، بغية الوصول إلى دهاليز البرلمان وبالتالي الحصور على أكبر عدد من الكراسي على أكتاف الجماهير. وعليه فعندما نرفض الأشتراك في مثل هذه المهزلة وندعو الجماهير  بعدم المشاركة، نقول ذلك من زاويتين أولهما: تتعلق بمشاركة الشيوعيين في الأنتخابات، ومن هذا المنطلق نسأل: هل يجوز للشيوعيين أن يشتركوا في اية أنتخابات كانت؟ وإذا ما قرروا ذلك فمتى يجوز؟ يمكن للشيوعيين أن يشتركوا في الأنتخابات البرلمانية في حالتين:

 

1ـ عندما تكون الأنتخابات حرة وديمقراطية. ونعني بذلك عندما تكون هناك حرية فعلية للجماهير بأختيار من يمثلونهم في أروقة البرلمان دون رعب أو إغراء. وفي هذه الحالة نعتقد بأن البرلمان سيكون، بالحد الادنى، يمثل إرادة الجماهير وبالتالي يتمكن من القيام بواجباته السياسية .

 

2ـ عندما تضطر الأنظمة البرجوازية في ظل توازن معين للقوى السياسية والأجتماعية السماح لمختلف القوى السياسية المعارضة لها للمشاركة في البرلمان. وفي مثل هذه الحالة على الشيوعيين أن يستغلوا مثل هذه الفرصة لجعل البرلمان ومختلف المؤسسات الأجتماعية البرجوازية بمثابة منابر للدعاية والتحريض الشوعيين بغية تجميع القوى وبالتالي التعجيل بعملية تطوير الصراع الطبقي داخل المجتمع. وهذا ما فعله البلاشفة قبل ثورة فبراير فأحيانا" كانوا يشتركون في الدوما وأحيانا" يقاطعونها وعلينا أن نأخذ الدروس من أسلافنا الشيوعيين والتعلم منهم ذلك بغية أستخدام تاكتيك النضال البرلماني في الوقت والشكل الصحيحين. وعلى هذا الأساس فهناك أمرين يجب أن نتحقق منها، الأول هو: هل أن الأنتخابات الحالية ستجري في أجواء حرة وديمقراطية ؟ أعتقد إن الجواب واضح ولا يحتاج إلى تعليق !. أما الأمر الثاني فهو: هل بإمكان الشيوعيين أن يحولوا البرلمان إلى منبر للدعاية والتحريض الشيوعيين بغية تجميع القوى وبالتالي تطوير النضال الطبقي؟ بالطبع إن تحقيق مثل هذا الأمر هو في حكم المستحيل في ظل الأوضاع والظروف السياسية والأجتماعية السائدة حاليا" في العراق.. وبهذا الخصوص سأضرب مثلا" بسيطا" من مهزلة أنتخابات كردستان، يتعلق بتيار التغيير الذي هو بالأصل تيار قومي وينتمي الى  نفس عائلة الحزبين القوميين الحاكمين في كردستان. فعندما أعلن عن تشكيل هذا التيار فبمجرد معلرضتهم لبعض سياسات الحزبين الحاكمين تم إعلان الحرب عليهم. ولولا تدخل الأمريكيين لتمت إبادتهم عن بكرة أبيهم، ثم أجبر الأمريكيان الحزبين الحاكمين للسماح لهذا التيار بالمشاركة في مهزلة الأنتخابات. وعندما تمكن هذا التيار من الحصول على نسبة  جيدة من المقاعد البرلمانية كنتيجة مباشرة لسخط جماهير كردستان على الحزبين الحاكمين ، وليس حبا" بهذا التيار، وأثناء أنعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد، منع ممثلي هذا التيار من الأدلاء بآراءهم وتوجهاتهم، على الرغم من هذا التيار هو من نفس العجينة التي يتكون منها الحزبين الحاكمين. وعليه فإذا كان الأمر هو هكذا بالنسبة إلى قوة سياسية هي من نفس جبهتهم وأصولهم السياسية والأجتماعية فما بالك بالشيوعيين وما يحملونه من أفكار وآراء وسياسات إنسانية وتحررية ومساواتية !. وبهذا نحن نقول بأن الأنتخابات الحالية تحمل محتوى لصوصي ومليشياتي.

 

ان من المؤسف ان هناك قوى تسمى نفسها يسارية وشيوعية تؤكد أستعدادها للمشاركة في الأنتخابات عندما تتوفر النزاهة أثتاء عملية الأنتخابات ومن ثم القيام بإجراء الأصلاحات والتغيير داخل المجتمع.  ويبدو أن هؤلاء لا يروا كثافة الغابة بسبب الاشجار، ونحن بدورنا نجيبهم بان الغابة كثيفة ومليئة بمختلف أنواع الأشجار والحيوانات المفترسة، ولكنكم للأسف لم تروا منها سوى شجرة النزاهة. فإذا أردتم العيش داخل الغابة بسلام فما عليكم إلا أن تتعرفوا على الغابة بكل تنوعها وبكل أشكال الحياة فيها! نعم النزاهة مطلوبة أثناء سير الأنتخابات ! ولكن أية أنتخابات ؟ ومع أية قوى وأحزاب سياسية ؟. ثم هل يكفي النزاهة وحدها بغية مشاركة الشيوعيين في الأنتخابات وإجراء التغيير داخل المجتمع؟. لنفترض وجود النزاهة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل بإمكان برلمان منتخب يتألف من أشرس الوحوش وأشدها بعدا" عن تطلعات وأماني الجماهير، وفي ظل السيطرة التامة للرجعية السياسية على المجتمع، أن يمثل إرادة الجماهير؟! ثم هل بإمكانكم، مع أفتراضنا نيلكم مقعد أو مقعدين، أن تتحدثوا داخل ذلك البرلمان، ولو همسا" ؟، لا عن الشيوعية والحرية والمساواة بل، عن اي شيء يحمل فقط شذرة إنسانية؟! بأعتقادي ليس بوسع أي إنسان ولو كان يفكر فقط حتى بالحد الأدنى من المنطق أن يتوقع ذلك، لأنه حتى بوسع اطفال المدرسة الأبتدائية أن يروا بأن الواقع السياسي الحالي للعراق وبالتركيبة السياسية الحالية للقوى والأحزاب السياسية التي تسعى للوصول إلى البرلمان على أكتاف الجماهير أن تسعى حتى ولو لتحقيق أتفه المطالب الإنسانية. ثم من بإمكانه غير الشيوعيين أن يحقق التغيير لصالح الجماهير؟.  بهذا الخصوص فإن تجارب مختلف شعوب العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللآتينية والتي بدأت منذ قرن ولحد الآن بأن البرجوازية بمختلف أجنحتها وتلاوينها السياسية غير قادرة في البلدان الخاضعة على إجراء أي تغيير اجتماعي أو سياسي لصالح العمال والكادحين، لأن طبيعة النظام الاقتصادي- الأجتماعي الذي يتصف بالخضوع لشروط ومتطلبات حركة الراسمال العالمي لا يسمح بذلك. وعليه فإن السعي لإجراء التغيير داخل المجتمع في ظل السيادة السياسية والاقتصادية الرأسمالية في بلد مثل العراق ليس سوى تصور طوباوي مستحيل التحقيق، إلا على يد الشيوعيين وفي ظل الجمهورية الأشتراكية وانهاء الاستغلال الرأسمالي.

 

إن ما يسمونه بتطبيع الأوضاع السياسية في العراق يعني عودة الأمن والأستقرار داخل المجتمع وعودة الحياة الأجتماعية والاقتصادية إلى طبيعتها المألوفة. لا أدري من أين جاء ، هؤلاء اليساريين، بمثل هذه الأفكار، وأين التطبيع والمجتمع الطبيعي ! بالأمس ضربت أكثر المناطق والمؤسسات حساسية في العراق وتحديدا" المنطقة الخضراء بالصواريخ وأستهدفت وزارتا الخارجية والمالية والتي أوقعت، مع كل الأسف، العشرات من القتلى والمئات من الجرحى من بين الناس الأبرياء، وليس هذا فقط بل، ولا تكاد يمر يوما" دون أن تقع عملية إرهابية في هذه المدينة أو تلك من المدن العراقية هذا إضافة إلى عمليات القمع السياسي من قبل الأجهزة الأمنية والتصفيات السياسية بين مختلف القوى والأحزاب الدينية والقومية وانعدام الحقوق والحريات والرعب والخوف الدائم بين مختلف القطاعات الجماهيرية. فاين هو التطبيع! لعلمكم حتى رموز النظام نفسه لم يجرأوا على طرح مثل هذه التصريحات. فبالأمس طلب رئيس الجمهورية، أثناء خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تشكيل محكمة دولية للتحقيق في العمليات الأرهابية التي يتعرض لها العراق. هذا يعني إن الدولة عاجزة  عن حماية نفسها فكيف تستطيع أن توفر الأمن والأستقرار والرفاه لعموم المجتمع!؟.

 

ثم أن العراق لا يزال بلدا" محتلا" وقوات الأحتلال هي القوة الفعلية في العراق وليست بإمكان الحكومة ولا البرلمان أن تخطو حتى خطوة" واحدة دون أمر من الأحتلال فأين هو التطبيع؟!. وعليه فإن الغرض من طرح مثل هذه الأفكار واضح حيث انهم يحاولون القيام بتهيئة الأجواء والتاثير على أعضائهم ومؤيديهم للموافقة على سياستهم الأنهزامية والتساومية اليمينية التي تسعى إلى عقد الصفقات السياسية مع أشد القوى السياسية رجعية" عسى أن يحصلوا على بعض الفتات التافه التي ربما تلقيه البرجوزية لهم.

 

وبناء" على ذلك، وبدلا" من أن يتوسل قوى اليسار ويحلم بتطبيع الأوضاع السياسية في العراق، فليأتوا برفقتنا ونضع يدا" بيد لتقوية جبهة النضال الأشتراكي والإنساني ونناضل معا" من أجل هدم فردوسهم على رؤوسهم وتشكيل الجمهورية الأشتراكية على أنقاضه ومن ثم تقديم كل الرموز والمسؤولين الذين الحقوا الاذى بالجماهير إلى المحاكم الجماهيرية لينالوا جزائهم العدل.

 

يوصى حزبنا بعدم المشاركة في الأنتخابات المقبلة لأن كل القوى والاحزاب السياسية التي ستشارك فيها هي أحزاب وقوى سياسية مذهبية وقومية غارقة في الرجعية والإرهاب وهم المسؤلين الفعليين عن كل المأساة والأذى والبؤس الذي لحق بجماهير العراق لحد الآن.  البرلمان والحكومة المقبلتان ستتألفان من نفس التركيبة السياسية السابقة وليس بوسعهما أن تحققا حتى الحد الأدنى من الأمن والأستقرار والحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين ولذلك فإن الجماهير ستبقى مسلوبة الإرادة وفي ظل أوضاع سياسية يسودها قوى سياسية مذهبية وقومية لا يتوفر أية فرصة داخل البرلمان  للدفاع عن المصالح والحقوق الجماهيرية. لقد قلنا ونكرر ثانية" إن الحل الواقعي الوحيد التي تمنح الفرصة للمشاركة الجماهيرية الحرة في الحياة السياسية هي الجمهورية الاشتراكية ذلك لأن مثل هذه الحكومة ليست لها اية مصلحة في أضطهاد الجماهير بل، وجدت من أجل الجماهير وهي تتشكل بارادتهم.