القضية الفلسطينية بين تحديات اليوم، وآفاق المستقبل

 

جليل شهباز                                                                                  

gelilshahbaz@yahoo.com 

 

كما هو معلوم كانت القضية الفلسطينية أثناء فترة الحرب الباردة بأكملها القضية المركزية للعالم  العربي، وبطبيعة الحال، أصبحت تلك القضية بمثابة المشكلة الأساسية للجماهير العربية، بفعل قيام البرجوازية العربية القومية، بعد أن إستلمت السلطة السياسية في غالبية البلدان العربية، بجعل تلك القضية الإنسانية العادلة إحدى أهم شعاراتهم المركزية. وبعد صعود القوميين العرب على السلطة وتشكيلهم لأنظمة سياسية معادية للإنسان كانت على تلك الأنظمة الرجعية بغية تقوية سلطتها السياسية وتعزيزها داخل المجتمعات العربية أن تطمس التناقضات الطبقية وتخفيها عن رؤية المجتمع، أو على الأقل أن تخفف من حدة تلك التناقضات، مهما كان الثمن. ذلك لأن البرجوازية القومية العربية بعد أن إستلمت السلطة السياسية كانت عليها إما: أن تتجه نحو تحقيق المطاليب الجماهيرية وتطلعاتهم نحو الحرية والمساواة والأزدهار والرفاه الأقتصاديين، بعد أن عانت الجماهير العربية الأمرين على يد الأستعمار الغربي، ففي هذه الحالة ومع الأوضاع الالسياسية والأجتماعية الملتهبة أصلا" في معظم البلدان العربية فإن ممارسة هذه السياسة تعني أحتمال جلب المزيد من المشاكك المستعصية حلها بالنسبة للأنظمة والسلطات القومية الحاكمة والتي كانت لا تزال سلطتها ضعيفة ومهزوزة، بالإضافة إلى أحتمال مواجهة الكثير من الأعتراضات الجماهيرية والطبقية والتي من شأنها أن تعصف بسلطتها في كل لحظة. وأمر طبيعي في ظل أوضاع كهذه أن تنمو مختلف أشكال الصراع الطبقي عموما" والصراع بين العمل ورأس المال خصوصا" في كل لحظة وفي كل يوم وأن تتبلور تلك الأعتراضات الطبقية والجماهيرية في منظماتها ونقاباتها وأحزابها الطبقية وكانت االأنظمة القومية العربية يعلمون جيدا" بأن أرتقاء الصراع الطبقي داخل المجتمع إلى مثل هذه الحالة المنظمة والمتحزبة فذلك يعني إمكانية أندلاع الثورات الأجتماعية في كل لحظة وبطبيعة الحال كانت البرجوازية القومية العربية الفتية في غنى عن كل ذلك.. وإما: أن تلجأ البرجوازية القومية الحاكمة إلى أسلوب خداع وتضليل الجماهير العربية وحتى الكذب إذا لزم الأمر ذلك بغية إلهاء الجماهير عن قضيتهم الأساسية أي، التطلع نحو الحرية والمساواة والرفاه الأقتصادي، ولذلك فقد إبتكرت الأنظمة القومية العربية الحاكمة خدعة نظرية المؤامرة والخطر القادم من الخارج التي تهدد بأستمرار الأماني الجماهيرية وشعار الوحدة العربية ومحو الخصوصية القومية والدينية. وبهذه الخدعة تمكنت الأنظمة القومية العربية بالفعل من إلهاء الجماهير العربية وجذب أنظارهم نحو ذلك الخطر المزعوم، وبذلك تمكنوا من تنفيذ برامجهم وخططهم السياسية الرجعية بعيدا" عن خطر الثورات الأجتماعية التي تهدد سلطتهم الطبقية. وتمكن القوميين العرب من خداع وتضليل الجماهير العربية بسهولة بعد أن أطلقت الأمبريالية البريطانية وعدا" لليهود على أعقاب أنتهاء الحرب العالمية الأولى، والذي سمي بوعد بلفور والذي تضمن إعطاء اليهود المتبعثرين والمشتتين في كل أرجاء العالم، والذين في نفس الوقت كانوا يعانون من أشد أشكال الظلم الطائفي والطبقي وخصوصا" في البلدان الغربية، الحق في تشكيل دولتهم الطائفية في مهد نشوء ديانتهم، أي في فلسطين، ولما بدأت الأمبريالية البريطانية بتنفيذ ذلك الوعد بالفعل عندما قدمت مختلف أشكال الدعم للمنظمات والأحزاب السياسية اليهودية وذلك بتشجيعهم لحث اليهود في كل أرجاء العالم للهجرة إلى فلسطين، وبعد أن إستمرت الهجرة أحيانا" بالترغيب وأحيانا" أخرى بالترهيب، وبعد أن وصل أعداد كبيرة منهم إلى الأراضي الفلسطينية، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وخصوصا" بعد المجازر النازية الرهيبة التي إرتكبها النظام النازي في ألمانيا وبقية مناطق نفوذها في أوربا. أصبح الرأي العام العالمي جاهزا" لقبول فكرة إنهاء معاناة اليهود في العالم. وبذلك أصبحت كل الشروط المادية والسياسية متوفرة لتكوين كيان سياسي لليهود في فلسطين وخصوصا" بعد أن تمت عملية هجرة اليهود إلى فلسطين وإسكانهم فيها باستخدام مختلف الوسائل الوحشية والبربرية من قبل الأمبريالية البريطانية والعصابات اليهودية المدججة بالسلاح لأنتزاع الاراضي من الفلسطينيين وطردهم من قراهم ومدنهم الآمنة وبعد أن تم لهم ذلك بقوة الحديد والنار، وبعد أن خلفوا ورائهم، نصف الجماهير الفلسطينية في حالة التشرد هنا وهناك، وتاريخ أسود من الجرائم المروعة والبؤس والشقاء التي ألحق بالفلسطينيين من جراء عملية أحتلال أراضيهم وأنتزاعها منهم، أعلنوا تشكيل الدولة الأسرائيلية الطائفية والمذهبية في سنة 48 على جزء كبير من الأراضي الفلسطينية.. وبما أن القدس والكثير من المدن الفلسطينية تعتبر من إحدى أهم المقدسات الإسلامية، وإن الفسطينيين الذين أصابهم كل تلك المأساة والكوارث يعتبرون جزا" من الأمة العربية. فعلى أثر كل ذلك إستغلت الأنظمة القومية العربية تلك الأوضاع السياسية اللاإنسانية التي أوجدت من جراء عملية الأحتلال وتشكيل الدولة الإسرائيلية لتقوية وتعزيز سلطتهم السياسية فقد تمكنوا بكل سهولة من، دغدغة المشاعر والإحساسات الدينية والقومية لدى شعوبهم وبقية شعوب العالم الإسلامي، وإثارة السخط والغضب في نفوسهم، بغية تعبئتهم عسكريا" وسياسيا" لتنفيذ برامجهم وأهدافهم الرجعية واللاإنسانية وليس هذا فقط، بل وأصبحت تلك القضية يالنسبة إليهم وسيلة فعالة ومبررا" قويا" لإطلاق يد البرجوازية القومية العربية الحاكمة بغية إزاحة كل القوى السياسية والأجتماعية الأخرى من منافستها على السلطة السياسية. وقد تم لهم ذلك بالفعل حيث أنهم قد مارسوا أبشع أشكال القمع والأستبداد الفكري والسياسي بحق كل حركة مطلبية مهما كان محتواها الطبقي والأجتماعي بالإضافة إلى قيامهم بإسكات كل صوت منادي للحرية والمساواة والتقدم الأجتماعي، ولكن بعد أن عجزت الأنظمة القومية العربية رغم كل ذلك القمع والأستبداد وسلب الحقوق من ترويض الجماهير العربية وأحتواء مختلف أشكال أعتراضاتهم الجماهيرية والطبقية، رفعت تلك الأنظمة شعار تحرير فلسطين ودخلوا لنفس الغرض، أي من أجل حماية سلطتهم السياسية وليس من أجل تحرير فلسطين، في ثلاثة حروب مدمرة ووحشية مع دولة النظام الدموي الإسرائيلي وتحديدا" في كل من سنة 48 ، 67، 73، من القرن الماضي والتي حصدت أرواح مئات الألوف من البشر من كلا الطرفين بالإضافة إلى الكوارث والمأساة الإنسانية التي رافقت تلك الحروب الرجعية. وسارت الأمور على نفس المنوال حتى حرب الخليج الثانية على اعقاب أحتلال القوات العراقية دولة الكويت في سنة 1990 وهذا ما أدى إلى تراجع الأنظار عن القضية الفلسطينية وتحولها نحو العراق لتصبح هاجسا" سياسيا" للجماهير العربية والرأي العام العالمي. ولكن كل ذلك لا يعني بأن القضية الفلسطينية ليست قضية عادلة، بل أن القضية الفلسطينية كانت ولا زالت قضية إنسانية عادلة بكل أبعاد ومعاني الكلمة، ذلك لأنه نتيجة لعملية الأحتلال وتشكيل ذلك الكيان المزروع أصبح شعب بكامله مشردا" من أراضيه متوجها" إلى هذا البلد أوذك، ناهيك عن المعانات والكوارث التي لحقت بهم من جراء ذلك التشرد على يد مختلف الأنظمة العربية الرجعية والتي ستبقى وصمة عار على جبين تلك الأنظمة.

 

للموضوع بقية