دراسات في الاقتصاد السياسي الماركسي

 

جليل شهباز

 

قوة العمل وتكوين القيمة الزائدة

 

أولا": شراء قوة العمل وبيعها

إن التغيرات التي تطرأ على قيمة النقود التي يجب أن تتحول إلى رأسمال، لا يمكنها أن تحدث من واقع النقود بحد ذاته، لأن النقود أثناء عملية الشراء لا يفعل سوى تجسيد قيمة السلعة، ولأن مقدار قيمته لا يتغير طالما بقي على شكل نقدا"، وعليه فإن نفس الشيء يحدث في حالة البيع، حيث لا يفعل النقود سوى تحويل السلعة من شكلها العيني إلى الشكل النقدي. وبذلك يجب أن يحدث تغير في السلعة وكما في الصيغة التالية :

      ن ـ س ـ ن-.

ن : يرمز إلى مقدار الراسمال الموظف في العملية الإنتاجية .

س : يرمز إلى السلعة التي تكونت من توظيف رأس المال .

ن- : يرمز إلى القيمة النهائية للمنتوج والتي تساوي مجمل التكاليف لقيمة المنتوج مضافا" إلى القيمة الجديدة.

إن عملية التغيير لا يحدث في القيمة التبادلية للسلعة المنتجة لأنه يجري تبادل بين القيم المتعادلة. وبهذا فلا يمكن أن يجري التغيير إلا في قيمة السلعة الأستعمالية بالذات، أي من حيث أستعمالها. ولهذا السبب، ينبغي أن يكون هناك سلعة تنفرد قيمتها الأستعمالية بخاصية مفادها أن تكون مصدرا" للقيمة التبادلية، وبطبيعة الحال هذه السلعة موجودة في السوق، وهي قوة العمل.

ولكن لكي يتمكن صاحب النقود من أن يجد في السوق قوة العمل كبضاعة، يجب أن تباع قوة العمل من قبل صاحبها بالذات، وبالتالي ينبغي أن تكون قوة عمل حرة. وفي هذه الصفقة، بما أن البائع والمشتري بوصفهما متعاقدين، فهما شخصان متساويان في الحقوق من الناحية القانونية، فينبغي أن تباع قوة العمل لفترة محددة فقط، ذلك لأن البائع، في حالة البيع، سوف لا يبقى بائعا"، بل يتحول هو نفسه إلى سلعة. ولهذا السبب يجب على مالك قوة العمل، بدلا" من أن يكون بإمكانه بيع السلع التي يتجسد فيها عمله، أن يكون عكس ذلك، في وضع يكون فيها مجبرا" على بيع قوة عمله بوصفها سلعة.

 وهذا كله يعني « أن التحول يحصل من القيمة الاستعمالية للسلعة التي هي قوة العمل، أي من استهلاكها. ولكنه مع ذلك فإن التحول يحصل في القيمة التبادلية أيضا"، أي في زيادة كمية القيمة المتجسدة في السلعة ذاتها »1. وبموجب ذلك فمن الممكن الحصول على قيمة قابلة للتبادل من القيمة الاستعمالية لسلعة ما، وهذا يؤكد ما أشرنا إليه، على أنه بإمكان، صاحب النقود أن يكتشف من بين السلع الرائجة في السوق سلعة معينة تكون قيمتها الاستعمالية ملائمة بأن تكون قيمة قابلة للتبادل، على أن تكون استهلاك قيمتها الاستعمالية تعني تحقيق للعمل القادر على خلق القيمة. وبالفعل فإن صاحب النقود يجد في السوق سلعة تتميز بتلك الخاصية وهي قوة العمل. وكما هو واضح إن من مميزات هذه القوة هي قدرتها على إنتاج الأشياء النافعة، ولكن قوة العمل لا تستطيع أن تظهر في السوق بوصفها سلعة إلا إذا كان مالكها مستعدا" لأن يبيعها في السوق. وهذا يعني أنه يجب أن يكون مالكها حرا" من الناحية الحقوقية في التصرف بسلعته، أي قوة عمله، ولذلك فإن مالك النقد ومالك قوة العمل يلتقيان في السوق ويدخلان في علاقة بعضهما مع بعض بوصفهما متبادلين لهما الصفة نفسها. وهما لا يختلفان إلا في هذا : أن أحدهما يشتري والآخر يبيع، وهما كلاهما، لهذا السبب نفسه شخصان متساويان حقوقيا". وبغية إدامة مثل هذه العلاقة يحرص صاحب قوة العمل أن لا يبيع قوة عمله على دفعة واحدة، لأنه في هذه الحالة سوف يبيع نفسه شخصيا"، والتي على أثره سيتحول إلى عبدا" لدى من يشتريه. « أستطيع أن أبيع لآخر، لوقت معين، استخدام كفاءاتي الجسمية والذهنية ونشاطي الممكن، ذلك لأنها داخل هذا الحد لا تحتفظ إلا بعلاقة خارجية مع كلية كائني ومجموعه ؛ ولكن بيع وقتي كله المحقق في العمل وكلية إنتاجي يجعل ما في داخله من جوهري، يعني نشاطي العام وشخصيتي، ملكا" للآخرين »2. وعليه فلو أراد صاحب قوة العمل أن يحافظ على نفسه، يستوجب عليه أن يضع قوة عمله تحت تصرف المشتري بصورة مؤقتة، وذلك لكي يتاح له المحافظة على ملكيته لقوة عمله.

وبالإضافة إلى ذلك هناك شرط آخر يتمكن من خلاله صاحب النقود من أن يشتري قوة العمل، وهو أن مالك قوة العمل بدلا"، من أن يتمكن من بيع السلع التي تجسد فيها عمله لصالحه، أن يكون مضطرا" ليقدم فقط سلعته الخاصة المتمثلة بقوة عمله للبيع. وبهذا فإن كل من يسعى إلى بيع سلع اخرى غير قوة العمل يجب أن يكون مالكا" لوسائل الإنتاج والمواد الأولية. وبهذا الشكل فإذا كان كل المنتوج هي بمثابة سلع فبالضرورة يجب أن يتم بيعها كي تلبي حاجات المنتج بغية إضافة المدة الضرورية للبيع إلى المدة الضرورية للإنتاج.

وبذلك فإن عملية تحول النقد إلى رأسمال يتطلب أن يجد مالك النقود في السوق العامل الحر بمعنى مزدوج:

أ ـ أن يكون العامل شخصا" حرا"، من الناحية الحقوقية والجانب القانوني، وبمقدوره أن يتصرف بقوة عمله كيفما يشاء، أسوة" ببقية السلع، تباع وتشترى في السوق.

ب ـ يجب أن يكون متحررا" من ملكية وسائل الإنتاج. أي يجب أن يكون مجردا" من أدوات العمل التي تساعده على إنتاج السلع التي تتجسد فيها عمله الفردي ليبيعها في السوق لصالحه.

ومع كل ذلك يجب أن نعلم بأن الطبيعة لا تنتج مالكين للنقد والسلع من جهة ومالكي قوة العمل من جهة اخرى، حيث أن مثل هذه الظواهر لا أساس لها في الوجود، بل إن أمكن ذلك فهي نتيجة مباشرة للتطور التاريخي ولكم كبير من الثورات الاقتصادية والاجتماعية ومن هدم بعض الأشكال القديمة للإنتاج. وبذلك فإن المنتوج كي يتحول إلى سلعة يتطلب، تقسيم معين للعمل داخل المجتمع بحيث أن تطوره يقتضي الانفصال بين القيمة الاستعنالية والتبادلية. ولكي يحصل ذلك، يجب أن يكتسب عملية تبادل المنتوجات شكل رواج للسلع، ليتمكن النقد من الظهور ويقوم بوظيفته كوسيلة للتبادل بين السلع.

وبما أن ظهور قوة العمل هي بهذا الشكل فكيف يتم تحديد قيمته ؟

إن قيمة قوة العمل هي كأية سلعة اخرى تساوي كمية العمل الاجتماعي المتجسد فيها. وبما أن كل شخص معين يقوم بإنتاج قوته الحيوية من خلال عملية التكاثر وولادة آخرين بغية الحفاظ على نوعه. فأنه يحتاج إلى الوسائل والمواد اللآزمة لصيانة نفسه واستمراره على البقاء، أي أنه بحاجة ضرورية إلى كمية معينة من وسائل المعيشة. وعلى هذا الأساس فإن مدة العمل الضروري لإنتاج قوة العمل يتجسد في مدة العمل الضروري اجتماعيا" لإنتاج تلك الكمية من وسائل المعيشة الضرورية التي تحرك القوى الجسدية للعامل وتحافظ على وجوده الفيزيكي. وبذلك فإن وقت العمل الضروري لإنتاج وسائل العيش هذه تمثل قيمة قوة العمل وعلى هذا فإن قوة العمل تتأكد وجودها بالعمل أو القدرة على القيام بالعمل وهذا يعني أنها إنفاقا" محددا" من القوى الجسمانية للعامل بالإضافة إلى إنفاق لأعصابه ودماغه. وبذلك فإن هذا الإنفاق الجسدي والعقلي ينبغي أن يعوض بمقدار ذلك الإنفاق.« إن قيمة إنسان هي شأنها شأن جميع الأشياء الاخرى، ثمنه، يعني قد ما يجب أن يعطي مقابل استخدام طاقته »3.

وبما أن أصحاب قوة العمل هم معرضين للموت، وبغية تأمين الكمية اللازمة من قوة العمل الضرورية للانتاج الرأسمالي في السوق ينبغي أن يتم التناسل ومن ثم تكثير النوع ذلك لأن قوى العمل التي أصبحت خارج السوق بسبب الاستهلاك المميت لتلك القوى في العمليات الإنتاجية، أو بسبب الموت، ينبغي أن يتم استبدالها باستمرار. وبهذا فإن كمية وسائل المعيشة الضرورية لإنتاج قوة العمل يجب أن يتضمن أيضا" تلك الكمية من وسائل المعيشة التي تتطلب عملية الاستعاضة وهذا يعني ضرورة تأمين وسائل المعيشة لأولاد العمال وعوائلهم أيضا"، لكي يبقى السوق رائجا" بقوى العمل باستمرار. « إن السعر الطبيعي للعمل... ينحصر في كمية الأشياء الضرورية للحياة. ولوسائل المتعة، كما تقتضيها طبيعة المناخ وعادات البلاد، التي تستطيع أن تحفظ العامل وتسمح له بتربية أسرة كافية لكي لا يعاني النقص عدد العمال المطلوبين في السوق » 4.

وبناء" على كل تلك المعطيات فإن ثمن قوة العمل يبلغ الحد الأدنى عندما يتعادل تماما" ثمن وسائل المعيشة الضرورية للبقاء الفيزيكي للعامل وعائلته مع الاجر الذي يتلقاه. وهذا يعني أن ثمن كمية تلك الوسائل المعاشية ينبغي أن لا يهبط إلى ما دون ذلك المستوى التي من شأنه أن يعرض حياة العامل وعائلته لخطر الهلاك، أما إذا هبط ثمن تلك المواد إلى ما دون ذلك يكون الأجر قد هبط إلى مستوى أقل من قيمة قوة العمل.

وبهذا فبعدما يتم الاتفاق بين بائع قوة العمل وبين من يشتريها، فإن القيمة الاستعمالية لتلك القوة يكون قد إنتقلت حقوقيا" إلى المشتري. كما وإن عملية أستعمال قوة العمل هي في الوقت نفسه، عملية إنتاج السلعة والقيمة الزائدة، وبطبيعة الحال إن هذا الأستعمال يجري خارج ميدان التداول ولكن بيع هذه القوة واستخدامها لا تحدثان في نفس الوقت. ذلك لأن كمية النقود التي دفعها المشتري لشراء تلك القوة سوف لا تعود إليه إلا بعد أن يمضي وقتا" محددا"، أي عندما تكون سلعته قد تم استخدامها بصورة نافعة. وبهذه الصورة فإن الرأسمالي يسلف جزءا" من نقوده كثمن لشراء قوة العمل أي يدفعها للعامل بصفة اجور، في حين إن العمال يسلفون صاحب النقود القيمة الاستعمالية لقوة عملهم. وإن القيمة الاستعمالية التي يقدمها العمال لقاء الاجور الذي ينالونها للرأسمالي لا تظهر إلا عندما يتم وضعها موضع الاستعمال أو عندما يتم استهلاكها وعندما يوضع قوة العمل موضع الاستهلاك فأنها تنتج سلع وقيم زائدة.

 

المراجع:

1ـ "مجلة النفط والتنمية"، تشرين الأول العدد 4، 1985

هيكل, "فلسفة الحق". ص 105، برلين 1840

3ـ لينين, "المختارات"، الجزء الرابع، ص36. موسكو 1975

4ـ ": R . Torrans . An Essya the exteralcorn Carde .London ,pp 62 1815