مقابلة مع الرفيق جليل شهباز عضو المكتب السياسي

العلمانيـة والشيوعية

 

نحو الاشتراكية: بعد انسحاب القوات الامريكية في المدن فان القوى الاسلامية والقومية والتي تم تنصيبها تسيطر على السلطة ولها تغلغل داخل المجتمع. هل تعتقد ان التيار العلماني قوي في المجتمع ؟ ومن برأيك تلك القوى القادرة على حمل راية وقيادة العلمانية في العراق؟

 

جليل شهباز: المطالب العلمانية هي مطالب جماهيرية بالتأكيد. الجماهير تناضل من اجل العلمانية ومطالبها وان باشكال مختلفة رغم سلطة ونفوذ القوى الاسلامية والقومية الرجعية. ان النزعة الاساسية للجماهير في العراق هي نزعة انسانية ولكن هنالك توهم بالافكار الرجعية والدينية والقومية والاثنية التي تروجها القوى السائدة حاليا. وفيما يخص مسألة الدفاع عن العلمانية والتمدن والحداثة والمساواة الكاملة بين المواطنين ومسألة المواطنة وغيرها فبرأيي انه بغير الشيوعيين وتحديداً حركة الشيوعية العمالية لا يمكن للحركة العلمانية ان تتقدم. ان الشيوعية العمالية وعموم جبهة اليسار هي القوى الوحيدة المدافعة عن العلمانية وليس ثمة قوة تدعي الدفاع عن علمانية المجتمع وتمدنه ؛ حقوق المرأة مساواتها، فصل الدين عن الدولة، والتربية والتعليم، المواطنة، حقوق الاطفال والشباب والحداثة والتمدن وغيرها وحتى لو كانت هناك قوى اخرى تدعي العلمانية فأنها ليست سوى لبعض حساباتها السياسية ومصالحها الضيقة وليس لصالح الجماهير.

 

نحو الاشتراكية: هل يمكن ان نعطي امثلة على ذلك الامر وكيف ان المجتمع نفسه هو مجتمع مدني وعلماني و ليس اسلامي ؟

جليل شهباز: ان المجتمع في العراق مجتمع مدني وان التيار العلماني هو تيار حيوي كما بينت. ذلك حقيقة قائمة. ولكن تحت ضغط القوى السياسية الدينية والقومية المسلطة على المجتمع من الاعلى والارهاب والانفجارات فان التيار العلماني  محاصر من كل الجهات  وفعاليته محدودة في ظل الأوضع السياسية والأجتماعية الحالية في العراق. هناك العديد من الامثلة على حيوية التيار العلماني داخل المجتمع. وفيما يخص مجتمع كردستان نحن نرى بشكل دائم نفور الجماهير من القوانين الاسلامية، مثلا ايام العطل ونهاية الاسبوع فان الناس يخرجون الى الرحلات الى الحقول وبشكل مختلط ولا ترى اي مرأة تلبس الحجاب وليس هناك عزل بين النساء والرجال بل الاختلاط والرقص المشترك ومظاهر الحياة الحديثة والعصرية والموسيقى. ومن جهة اخرى فاني مطلع على الحركة الطلابية ايضا في كردستان وهي حركة قوية ومتدفقة ومتمدنة وهناك العديد من المطالب والنشاطات العلمانية التي يقومون بها توضح ان تلك الحركة متعلقة بالتمدن وبالعلمانية وبطرد الدين من المجتمع ومن الجامعة والكلية والمعهد والمدرسة. كذلك فان الحركة النسوية والمساواتية حركة حية وان هناك العديد من الاعتراضات النسوية ضد القوانين الاسلامية التي جلبها القوميين الكرد والاسلاميين ومنها قانون الاحوال الشخصية الذي مرره برلمان كردستان والمعارضة القوية التي تصاعدت ضده. وفي عموم العراق فان الطبقة العاملة تقوم باحتجاجات واعتراضات وهي غالبا تناضل وترفع شعارات تحررية ضد الرجعية السياسية وان الطبقة العاملة بوجود حزبنا الذي يمثلها سياسيا قادرة على التصدي للقوى الدينية والطائفية. ان العلمانية تصب في مصلحة الطبقة العاملة لانها تعني المواطنة وانهاء الفرقة الدينية والطائفية والقومية والاثنية والعشائرية. تلك المبادئ يستفيد منها وتصب في مصلحة الجماهير الغفيرة والطبقة العاملة ولذا فان القوى الاسلامية والطائفية والقومية معارضة للعلمانية وتهاجمها وتريد دحر تلك الحركة وانهاءها ولكن عبثا. الحركة الشبابية في العراق تعبير قوي على محبوبية العلمانية في المجتمع فالحركة الشبابية والطلابية تواجه باستمرار الحركات الاسلامية والطائفية وتقف ضدها وترفع الشعارات والمطالب التي تريد بها تغليب الحياة الحديثة والمرفهة وتشجع الاختلاط وتقوية موقعية المرأة وعدم اخضاعها للقوانين الاسلامية والدينية الرجعية والتمييزية ومنع تدخل الدين والحركات الاسلامية في الجامعات والمدارس. الحركة الطلابية رائدة في رفد التيار العلماني في العراق. نحن نذكر كيف ان التيار الصدري وميليشياته قد حاولت وتحاول لحد الان الاعتداء على الطلاب والطالبات ويحاولون ان يمنعوا اختلاطهم ويفرضوا عليهم الشرائع الدينية المتخلفة وكيف انهم في البصرة قام باعمال اجرامية ضد طلبة جامعة البصرة مثلا. الحركة الشبابية والطلابية تناضل من اجل توفير كل المستلزمات الضرورية من اجل ان رفع درجة الحرية والتمدن والمساواة في المجتمع.

 

نحو الاشتراكية: بينتم بان التيار العلماني تيار موجود وقوي في المجتمع وذكرتم بان هناك رغبة ونزوع نحو العلمانية ولكن في نفس الوقت نرى ان هناك ظواهر وحشية مثل قتل الشرف او ما يسمى بغسل العار وهي مستشرية في كردستان ضد النساء وكذلك ظاهرة استئصال الاعضاء التناسلية للفتيات ( الختان ) وغيرها من الاعمال البربرية التي تكشف معاداة القوى الدينية والاسلامية والطائفية والعشائرية للمساواة واخضاع للنساء. كيف تفسر ذلك ؟ تدعي القوى الدينية ان العراق بلد مسلم وان الجماهير تريد الاسلام والعيش ضمن القوانين الاسلامية. من يحمي تلك الجرائم ويروج لها؟

 

جليل شهباز: برأيي ان السؤال نفسه دليل على قوة التمدن والحركة العلمانية الموجودة داخل المجتمع. ان التقاليد الرجعية والممارسات الوحشية اللا انسانية ضد النساء والفتيات هي ممارسات غريبة عن المجتمع. ليس من مصلحة القوى الاسلامية والقومية والعشائرية ان يكون هناك مجتمع مدني كما قلت. ليس من مصلحة تلك القوى ان تصعد الحركة العلمانية وان يكون هناك حداثة وتمدن ومساواة وحرية داخل المجتمع. ان تلك القوى تقوم على ممارسة جرائم قتل الشرف وجرائم ختان البنات وتحجيب البنات الصغيرات وفرض الحجاب على النساء وغيرها وكلها ممارسات غريبة عن المجتمع وان المجتمع يرفضها. ان المجتمع يرغب في الحياة الحرة والمرفهة والحديثة وينشد الحرية والمساواة رغم الارهاب والقسر.

 

نحو الاشتراكية: في المجتمع الطبقي تسلب انسانية الانسان وان تحقيق المجتمع الانساني رهن بالقضاء على المجتمع الطبقي . هل تعتقد ان العلمانية تساهم في مسألة ارجاع الهوية الانسانية للانسان ؟ كيف ترى العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع الانساني ونحن نعرف ان الاخير لا يتحقق الا بالاشتراكية ؟!

 

جليل شهباز: هنالك فرق بين الاغتراب الانساني في ظل الاستغلال الرأسمالي وبين تحقق الذات الانسانية في ظل المجتمع الذي تنتهي فيه الطبقات وينته فيه الاستغلال الطبقي. من الممكن ان يكون المجتمع علمانيا كما هو الحال في اوربا مثلا ولكن الانسان يظل مغتربا عن انسانيته. ان السبب في ذلك يعود الى النظام الرأسمالي والقائم على اظطهاد الطبقة العاملة. اساس استلاب الهوية الانسانية هو استغلال الرأسمال للعمل. ان العلمانية برأيي قفزة ضخمة وتوفير الظروف المناسبة والجيدة للعمال والكادحين من اجل تسهيل سبل نضالهم نحو الانهاء الكلي للاستغلال وتحرير كامل البشرية من الاغتراب ومن استلاب الانسانية الذي تمارسه الطبقة البرجوازية ضدهم. بتعبير اخر انتصار الاشتراكية وبناء مجتمع الانسانية.

ناضلت اجيال من البشرية في سبيل العلمانية في اوربا وامريكا وغيرها وكان العمال والحركات الاشتراكية هي في طليعة تلك القوى وصاحبة ذلك الانجاز ونفس الامر يحدث الان في العراق فالطبقة العاملة هي حاملة راية العلمانية. وبمعنى اخر فان رافع راية العلمانية اليوم هم الاشتراكيون وان ذلك في حد ذاته يعطي معنى انساني للعلمانية ويجعلها مطلبا اشتراكيا لانها تكسر اغلال ملايين من النساء والفتيات ويحقق مساواتهن. ان العلمانية اليوم لا يمكن ان تحققها الطبقة البرجوازية. فدون تأسيس الدولة الاشتراكية لا يمكن لاي شكل اخر للدولة ان يحقق العلمانية او مبدأ فصل الدين عن الدولة وارجاعه شأنا شخصيا، وهذا هو ما نعتقد به ونؤكد عليه دوماً ومن هذا المنطلق نعلن ان الاشتراكيين هم اصحاب المشروع العلماني وليس غيرنا.

 

نحو الاشتراكية: شكرا رفيق جليل على الاجابة.