ما كل هذه الضجة حول الحجاب؟

مريم نمازي

بهار شابة تعيش في المانيا كتبت: تريني في الطريق محجبة ولكني لا افكر باني مسلمة. لقد اجبرت على ارتداء الحجاب من قبل ابي واخوتي؛ سيقتلوني اذا لم ارتد الحجاب. من قبل كنت اشعر بالوحدة ولكن الان اعرف باني لست وحيدة. تلك رسالة ارسلتها (بهار) الى مينا احدي مؤسسة المجلس المركزي للمسلمين سابقا في المانيا.

وبالطبع بهار ليست وحدها. نساء لا حصر لهن وفتيات في اسيا والشرق الاوسط وشمال افريقيا وصولا الى هنا في قلب اوربا، يعرفن من تجربتهن معنى ان تكون انثى تحت الاسلام، محجوبة عن الانظار، مربطة ومخنوقة، مقطعة الاطراف، مقتولة، دون حقوق، مهددة ومرعوبة، كل يوم، من التقاليد الاسلامية المتجاوزة.

 يرمز الحجاب الى هذا الواقع التعس، اكثر من أي شئ آخر.

برأيي فانه من المستحيل ان نتعرض الى حالة النساء تحت القوانين الاسلامية وان ندافع عن حقوق المرأة دون التعرض الى الحجاب ونستنكره. ولهذا السبب فان الحجاب هو اول شئ يفرضه الاسلاميون عندما يكون لهم طريق للسلطة.

ولنفس السبب ايضا بامكاننا ان ندرك لم تكون امور مثلك الحجاب غير اللائق وحرق الحجاب في المظاهرات والتجمعات - كما نرى ذلك غالبا في ايران على سبيل المثال - او خلعه عندما تغادر ألمرأة بيتها - في الاماكن التي لا يكون فيها قانونا ساريا في تلك الدولة بل فرضاً من قبل الائمة واعضاء العائلة الذين ينصبون انفسهم اولياء على النساء - قد اصبحت رموزا للتصدي.

اعرف بان خصومنا يجادلون غالبا بان هناك امورا اكثر الحاحا متعلقة بوضع النساء. لم كل هذه الضجة، يتسائلون؟

بالنسبة لي انه كمن يسأل لم كل هذه الضجة حول سياسة الفصل العنصري؟ - او الفصل بين الاجناس – في جمهورية جنوب افريقيا العنصرية. كانت هناك على اية حال العديد من الامور الملحة تواجه السود في ذلك البلد. افترض ان ذلك هو السبب بان حكومة جنوب افريقيا السابقة استمرت بالتأكيد على ان الفصل لا يعني عدم المساواة (وهو بالمناسبة نفس المنطق الذي يجادل به الاسلاميون طوال الوقت). ولكن نحن نعرف شئ اخر.

ونحن نعرف - على الاقل من خلال ملاحظة الوقائع - لم ان الفعل الفيزيائي بالفصل كان مهما ورمزيا لما يعنيه ان تكون اسودا تحت حكم الابارتايد (سياسة الفصل العنصري التي مارستها حكومة جنوب افريقيا العنصرية ضد السكان السود - م).

وبطريقة مماثلة فان الحجاب هو رمز للابارتايد الجنسي والعزل بين الجنسين. في الدول التي يحكم فيها الاسلام، كما في ايران، فان المداخل المنفصلة للنساء في بعض المكاتب الحكومية؛ مناطق جلوس منفصلة للنساء في الحافلات على سبيل المثال؛ منع النساء من التواجد في الملاعب العامة كالمدرجات الرياضية؛ الستارة الفاصلة في بحر قزوين للسباحة المنفصلة وغيرها هي ما تعنيه في الواقع العملي ان تكون انثى تحت الاسلام. ان خرق الناس لهذه القواعد هي دليل على انسانيتهم هم وليس القوانين او الدولة التي تفرضها بالقوة.

عندما نتحدث عن الوضع في ايران، فان بعض اولئك الاعتذاريين سيقبلون بمعارضة الحجاب الاجباري (بالرغم من اني لا زلت اود سماع معارضته في اماكن خارج دائرة دفاعهم عن الحجاب) ولكن اذا كان هو اختيار تم بحرية فان على المرء ان يدافع عن "حق" التحجب.

انا اختلف مع ذلك من صميم قلبي. قد يكون للنساء البالغات " الحق" في التحجب بالرغم من ان هذا الحق ليس مطلقا باي شكل من الاشكال كما الحال في العديد من الحقوق، والمسالة مختلفة كليا بالنسبة للفتيات - والتي سآتي عليها فيما بعد. ولكن امتلاك الحق بفعل شئ ما هو امر مختلف جدا عن الدفاع عن الحجاب "الذي اختير بحرية" او " حق التحجب". قد يكون هناك نساء "يخترن بحرية" ان يقطعن اعضاء بناتهن الجنسية او يضحين بانفسهن على محارق عزاء ازواجهن ولكن ذلك لا يعني ان علينا ان ندافع عن حق النساء بفعل ذلك او ان ندافع عن ممارسة قتل المرأة الهندية لنفسها على محرقة زوجها (عادة كانت تمارس في شبه القارة الهندية تم تحريمها - م) او ظاهرة ختان الاعضاء الجنسية للاناث FGM . ان الدفاع عن الحقوق ليس متعلقا بجعل الجميع متفقين، حيث انك ستجد دوما اناس يقومون ب او يقترفون ما هو غير قابل للدفاع عنه - وهذه هي ماهية الدين باعتقادي. ان الامر متعلق بحماية البشر في بعض الاحيان حتى من انفسهم.

ان استعمال مصطلح الاختيار في هذا السياق خادع كلياً. بداية فان في العديد من الاماكن كايران فانه (أي الحجاب- م) القانون الساري في البلاد. يمكن تغريمك او القبض عليك او ضربك او سجنك وحتى قتلك في حال تجاوزت الحجاب والتقاليد الاسلامية.

في اماكن اخرى حيث لم تسن تلك كقوانين، ولكنها في الواقع بمثابة قوانين بسبب الضغط والاكراه من قبل بعض الطفيليين الذين نصبوا انفسهم فيما يدعونه قادة المجتمعات او القادة الاسلاميين وافراد العائلة.

 

مثال واحد على ذلك هو البيان المشترك حول الحجاب من قبل "مجاميع المسلمين والعلماء والقادة" في بريطانيا والذي نص على ان الحجاب "ليس أمراً قابل للنقاش". هذا التصريح يذهب بعيدا الى درجة ان "ننصح كل المسلمين باتخاذ الحذر الشديد في هذه المسألة بما ان انكار اي جزء من الاسلام قد يؤدي الى عدم الايمان" وان يحثهم على "ان يبقوا هذا الحوار داخل اطار النقاش المرجعي وداخل اطار علماء الدين والسلطة داخل المجتمع الاسلامي".

وفي حلقة تلفزيونية عرضت مؤخرا على القناة الرابعة بعنوان دسباتشز اظهرت احد الملالي في مسجد غرين لين في برمنغهام يقول "خلق الله النساء معاقات" وفي اذاعة فضائية للمفتي الاعلى للسعودية الشيخ عبد العزيز الشيخ نقلت الى داخل المسجد يقترح بوجوب ضرب الاطفال اذا لم يصلوا او لم يلبسوا الحجاب.

لقد سمعتم ايضا رجل الدين الرئيسي في استراليا الشيخ تاج الدين الهلالي يقارن النساء غير المحجبات "باللحم المكشوف" منوها بانهن يستدعين الاغتصاب والاعتداء الجنسي. " اذا ما اخرجت اللحم المكشوف ووضعته في الخارج ..دون غطاء وتاتي القطط لتأكله فغلطة من هذه؟ القطط ام اللحم المكشوف؟ ان اللحم المكشوف هو المشكلة. لو كانت تلك المراة في غرفتها، في بيتها، في حجابها، لم يكن لتحصل اي مشكلة".

وبينما تعد المراسيم المحقرة للمرأة تقليدا في المساجد في كل انحاء العالم، وعبر الاديان، فتلك هي امثلة قليلة تبين كيف ان مناخ الكراهية والخوف يجعل العديد من النساء "يخترن" الحجاب حتى في اماكن لا يعد فيها الحجاب اجبارياَ.

ازل كل هذا، وساذهب بعيدا لحد القول بانه سيكون هناك القليل ممن "سيخترن" العيش في سجون نقالة - عدا عن اؤلئك اللواتي يوددن اظهار الولاء لحركة الاسلام السياسي الصاعدة. 

وايضا فان "حق المرأة بالاختيار" يجب ان يستبقه على اقل تقدير مساواة حقوقية وجنسية. ولكن تلك ليست الحالة لمعظمهن. وعليه فاذا ما اخذت الحجاب بالمقياس الاجتماعي فانه لا يمثل لا حقاً ولا اختياراً وسيكون من الكذب الادعاء عكس ذلك.

وبطبيعة الحال فان النساء اللواتي يرتدين التنورات القصيرات والجيمي شووز قد يكن تحت ضغط النماذج  المثالية المستحيلة التحقيق لصناعة الازياء – كما نسمع الجدل دفاعا عن الحجاب – ولكن من السخافة ان تقارن التنانير القصيرة مع الحجاب كما مقارنة الجيمي شووز مع سلاسل الاقدام المصممة لحرمان النساء من "التسكع".

الحجاب ليس قطعة من قماش او ملابس، بالرغم من انه غالبا ما يقارن بالتنانير القصيرة او اشكال اخرى "مستهجنة" من الملابس والتي يبدو اننا النساء غير المحجبات نرتديها. كما ان الكفن او السترة الطويلة ليستا قطعة ملابس. وكما ان حزام العفة ليس قطعة ملابس. وكما ان نجمة داود والمثبتة على ملابس اليهود خلال الهولوكوست (محرقة اليهود من قبل النازيين) لم تكن فقط نتفة من قماش.

ولكن ذلك بالطبع لا يعني بانه فقط النساء تحت الاسلام او النساء المحجبات هن الوحيدات المقموعات. ولكن من المهم معارضة الحجاب في حد ذاته.

ليس لذلك علاقة بكونك ممتلئاً بالحقد او تقوم بالدعاية من اجل شن هجوم على المسلمين او النساء المحجبات بالرغم من ان الاسلاميين يصورون الامر على هذا النحو. ومن المثير ان يأتي ذلك من الجناح اليميني الرجعي فذلك حول الجريمة والفوضى الى شكل فني، ولكني قلت سابقا فان معارضة "ختان الاعضاء الجنسية للاناث" لا تعني مهاجمة اؤلئك النسوة اللواتي يتعرضن للختان؛ كذلك الامر في معارضة سلاسل الاقدام او التضحية بالنفس. وفي الحقيقة ان ذلك (معارضة الحجاب – م) أمر اساسي في مسألة الدفاع المبدأي عن حقوق النساء.

ولهذا السبب يجب حظر الجادور والبركة والنقاب - من اجل الدفاع عن حقوق النساء. ليس لانها تمنع التفاعل، او الاتصال وغيره. تلك اعراض جانبية. وبالتاكيد ليس لانها قد تجعل اناسا مثل جاك سترو غير مرتاحين. يجب حضرها لانه ليس من المقبول للنساء ان يعزلن في القرن الواحد والعشرين؛ وليس مقبولا ان تتجول النساء في سجون نقالة او اكفان بسبب اعتبار الدين ان عليهن البقاء غير مرئيات.

ان أي ذكر للحظر، على اية حال، يرفع بسرعة صرخات الشمولية. ومن جانب فانه من المثير للاهتمام كيف يمكن للدين ان يتهرب من مسألة ان حكمه، على سبيل المثال، على النساء بالتحجب لا يعتبر أمراً شموليا. ولكن الاهم، ان الحظر ليس بالضرورة شئ سئ. ان المجتمع يحظر العديد من الاشياء لكي يدافع ويحمي الناس الذين يعيشون فيه، وغالبا ما يكون ذلك بتأثير الحركات الاجتماعية اليسارية والتقدمية المطالبة بها. على سبيل المثال فان عمل الاطفال محظور وكذلك ختان الاعضاء الجنسية الانثوية والصور الجنسية للاطفال والاغتصاب وهكذا دواليك. ان الحظر في هكذا حالات هو شئ حسن؛ انه يوقف حدوث الانتهاكات. ان الجدل حول كون الحظر يزيد فقط من البركة والنقاب هو جدل سخيف عندما يستخدم في امثلة اخرى لها علاقة بالدفاع عن حقوق الناس ولكنه بشكل ما اعتبر خطابا مناسبا عندما يتعلق الامر بالحجاب.

وايضا فان الدعوة للحظر لاتعني بالضرورة انك تود او بالفعل ستجرم قطاعا من السكان. على سبيل المثال فان هناك حكما بلبس الخوذة الواقية للرأس عندما تقود دراجة بخارية ولكني لا اعتقد ان المئات من السيخ يعانون في السجون البريطانية بسبب عدم فعلهم لذلك. او لهذا الغرض اناسا يدخنون في غير المناطق المخصصة للتدخين، اوعارضات الازياء اللواتي يلبسن قياسات صفر...

ان الاسلاميين واعتذارييهم يطالبون بان نحترم تعابير الناس الدينية ومعتقداتهم. وكما قلت مرارا ان علينا التزاما باحترام البشر ولكن ليس احترام اي معتقد او تعبير ديني. ان امتلاك حق المعتقد و الدين هو شيئان مختلفان لان ذلك يصبح منطقة محرمة أي ان تأتي على فعل أي شئ كما ترغب متحررا من أي نقد او ادانة.

كذلك يقولون بان من العنصرية ان تنتقد الاسلام، الحجاب والاسلام السياسي. اية نفايات تلك. لا يمكن لك ان تكون عنصريا ازاء فكرة او معتقد او ايديولوجية او تعبير عنها. ان العنصرية هي تمييز وعزل وتحديد او تفضيل مبني على العرق او اللون او المنحدر او الاصل القومي او الاثني (حتى لو تم تشكيله) للافراد – البشر – وليس لافكارهم. ان القول بانه كذلك هو محاولة اخرى لاخراس كل نقد معارض.

ان الحظر على البركة والجادور والنقاب واشباههم مهم ولكنه ليس كافيا على الاطلاق. ان الحجاب او أي رمز ديني ظاهر يجب منعه من الدولة والتعليم وحصره في النطاق الخاص. ذلك يساعد للتاكد من ان المكاتب الحكومية والموظفين الرسميين من القضاء الى الموظفين الى الاطباء والممرضين لا يقومون بالدعوة الى معتقداتهم الدينية وبدلا من ذلك يقومون باداء اعمالهم. وبنفس الطريقة التي لا يمكن فيها لمدرس ان يدرس نظرية الخلق (الدينية – م) بدلا من نظرية  التطور والعلم في الصف المدرسي؛ وكذلك فان الصيدلي لا يستطيع رفض اعطاء مانع الحمل للنساء بسبب معتقداتها؛ والطبيب الرجل لا يستطيع ان يرفض ان يعالج امرأة مريضة والعكس بالعكس.

واخيرا فان حجاب الفتيات يجب منعه دون أي نقاش. ان ذلك مسألة حقوق الاطفال. فبينما قد "يختار" البالغون الحجاب او الدين، فان الاطفال وبطبيعتهم لا يستطيعون عمل هكذا اختيارات؛ ما يعملونه هو في الحقيقة ما يخبرهم اهلهم بعمله. ومرة اخرى فان استعمال مصطلح اختيار هنا هو خادع. يجب حماية الاطفال حتى لو "اختاروا" ان يبقوا مع اهل يعتدون عليهم او العمل من اجل اعالة عوائلهم الفقيرة او الامتناع عن الذهاب الى المدرسة.

للاطفال حق مطلق بان يكونوا اطفال – يجب منع أي شئ يعزلهم او يمنعهم من الحصول على المعلومات، التقدم في المجتمع والحقوق، اللعب، السباحة وفي العموم القيام بالاشياء التي على الاطفال عملها. مهما كانت معتقداتهم، ليس للاهل الحق ان يفرضوا معتقداتهم بما فيها الحجاب على الاطفال فقط لانهم اطفالهم تماما كعدم قدرتهم ان ينكروا عن اطفالهم المساعدة الطبية او ضربهم او اهمالهم او تزويجهم في سن التاسعة لان ذلك هو جزء من معتقداتهم او دينهم. ان حجاب الطفل هو شكل من اشكال انتهاك الطفل ويجب ايقافه.

عبر التاريخ، حصل التقدم والتطور ليس من خلال التملق والاعتذار او التماس رد الفعل ولكن من خلال الموقف الحازم ودون مواربة. وهذا ما يجب ان يكون عليه الموقف ضد الاسلام والاسلام السياسي والحجاب.

يجب علينا ان نعلن بكل وضوح وعلو صوت بان ليس للابارتايد الجنسي مكان في القرن 21. ذلك يكفي.

*********

للاطلاع على خطاب مريم نمازي اذهب الى:

http://video. google.co. uk/videoplay? docid=5149622472 089905265

لرؤية اجابة مريم نمازي حول ما اذا كان نقد الاسلام يساهم في العنصرية، اذهب الى

http://www.youtube.com/watch? v=B3iSlPgrvdU

ماسبق هو خطاب مريم نمازي في سيمنار 8 آذار حول حقوق النساء والحجاب والقوانين الاسلامية والدينية في لندن. مريم مديرة لجنة العلاقات الدولية في الحزب الشيوعي العمالي الايراني، والحائزة على جائزة علمانية العام حسب المجتمع العلماني الوطني ومنتجة تلفزيون انترناسيونال. متحدثات اخريات هن مينا احدي مؤسسة المجلس المركزي للمسلمين سابقاً، سونيا ايكركس رئيسة الاتحاد الاخلاقي والانساني العالمي، ان هاريسن: باحثة، السكرتارية العالمية لقسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في منظمة العفو الدولية: وتسليمة نسرين: طبيبة وكاتبة ونسوية تحررية راديكالية، وناشطة حقوق انسان وانسانية علمانية.

_____________________________________________________________

ترجمة عصام شكــري عن النص الانكليزي المنشور في نشرة الحزب الشيوعي العمالي الايراني

WPI Briefing العدد 203 بتاريخ 21 آذار 2007.