العراق والسيناريو الاسود واستراتيجية الخروج

مقابلة محسن ابراهيمي رئيس تحرير صحيفة انترناسيونال مع عصام شكـري

سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي

الجزء الثاني والاخير

 

محسن ابراهيمي: ماذا تعني تحديداً بمصطلح المعسكر الثالث؟ ارجو توضيح الامكانيات والعوائق التي تعترض تعبئة المعسكر الثالث في كلا من العراق والعالم؟

 

عصام شكــري: المعسكر الثالث هو الانسانية المتمدنة. انه كل اؤلئك  الانسانيين المنتظمين في منظمات، عمالا ونساءا وطلبة وشباب واحزاب سياسية وتحرريين ومحبي الحرية ومدافعين عن حقوق الانسان والبيئة ومناهضة التسلح النووي والذين يحز في نفوسهم ويغضبهم حجم الفظائع التي يقوم بها معسكرا البربرية ضد المدنيين في العراق وفلسطين ولبنان واسرائيل وافغانستان وفي كل العالم.

ان المعسكر الثالث بحاجة الى تعبئة وتنظيم. لو استطاع هذا المعسكر ان ينهض وان يلعب دوره فسيدفع بكلا القوتين الى الخلف ويضع بديلا لعالم آمن وانساني ومتساو. هذا المعسكر اليوم هو ضرورة ليس فقط في العراق ولكن في كل العالم. ان هذا المعسكر موجود ولكنه صامت ومهمش. فقط هذا المعسكر بامكانه دفع هذه الوحوش الكاسرة الى الخلف و ارادة الجماهير الى الامام.  المعسكر الثالث هو جزء لا يتجزأ من استراتيجيتنا في العراق.

 

محسن ابراهيمي: يواجه الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي العديد من المهام المعقدة في مثل هذه الاوضاع. ما هي الاولويات السياسية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي الان؟

 

عصام شكــري: بناء الحزب هو التحدي السياسي الاكبر. لقد نجحنا بالتحول والانتقال من تكتل يساري داخل حزب ريبوار اليميني الى حزب بمؤسسات وعضوية ملتزمة. لقد انهينا مؤتمرنا الاول وانتخبنا لجتنا المركزية ومكتبنا السياسي.

 

بدأنا نكون فعالين داخل العراق ونحصل على اعضاء جدد. بدأنا ببناء خلايا في بعض المدن العراقية ووزعنا جرائدنا و ادبياتنا. حزبنا بحاجة الى ان يترسخ وان يبنى وان يتحول الى حزب اجتماعي كبير في العراق. حزبنا بحاجة الى ان يكون قويا داخل اوساط الجماهير في العراق وحاضراً في كل مدينة ومحلة. نحن بحاجة الى ان نكون حزب الجماهير بالمعنى الذي ذكره منصور حكمت في بحثه " الحزب والمجتمع" وباننا الاغلبية لاننا نمثل تطلعات وامال الغالبية العظمى من الجماهير.

 

نحن بحاجة الى ان نبني مؤسسات حزبنا. هذا هو تحدي كبير امامنا وامام قيادة الحزب الشيوعي العمالي اليساري. وبهذا الخصوص فان الموضوع لا يتعلق بتنظيم الحزب وبناءه بالطريقة التقليدية. نحن بحاجة الى ان نخاطب الملايين من الجماهير داخل وخارج العراق وان نجعلهم في حزبنا والى جانب بديلنا. هذا بحاجة الى الكثير من الفعالية والمشاريع والمبادرات لكي نتبنى مطالب الجماهير ونضالاتهم.

 

ان الامان هو تحد كبير لكل الجماهير. يجب علينا ان نواجه هذه المشكلة من خلال تعبئة الجماهير وتسليحها لكي يدافعوا عن انفسهم ضد القوات الامريكية والبريطانية من جهة وضد الميليشيات البعثية والاسلامية من جهة اخرى. ان مواجهة مسألة الامان بامكانه تحويل حزبنا الى قوة اجتماعية ضد المجاميع الرجعية وقوى السيناريو الاسود ويضعنا بجدية كبديل للسلطة لكل المجتمع. ان العلمانية وحقوق العمال والنساء هي ايضا جبهات صراع طبقي اساسية لحزبنا لخوضها والانتصار. لدينا تقييم موضوعي للوضع واولوياتنا ولكن علينا التحرك بسرعة والا فقدنا الفرصة.

 

محسن ابراهيمي: لقد ذكرت بانكم قد تحولتم بنجاح من تكتل يساري داخل حزب ريبوار احمد اليميني الى حزب يتمتع بمؤسسات منتخبة وعضوية ملتزمة. هل لك ان تحدثنا عن وضع حزب ريبوار. الى اين يتجهون؟

 

عصام شكــري: كما بينا حين قررت قيادتهم التحالف مع الجناح المنشق من الحزب الشيوعي العمالي الايراني في العام 2004، فان حزب ريبوار احمد قد قطع شوطا طويلا في تطبيق ما قد دعا اليه حينها، أي استئصال " القلب" الثوري والراديكالي لحركة الشيوعية العمالية وتعاليم منصور حكمت واتباع سياسة مبنية على الدبلوماسية والصفقات والمناورات مع البرجوازية الرجعية.

 

اليوم اكثر من قبل فان قيادة ذلك الحزب تظهر، ليس من خلال البيانات المنمقة او التصريحات المظللة، بل من خلال افعالهم الواقعية والتطبيق السياسي على الارض بانهم ليسوا فقط يمثلون الميل اليميني داخل حركة الشيوعية العمالية على صعيد النظرية والفكر بل ايضا على صعيد الممارسة والواقع.

 

ان المنظمة التي من المفترض لها ان تحل محل حزبهم كوسيلة تفاوضية وتساومية مع قوى السيناريو الاسود والرجعيين، أي منظمة حرية العراق تضع كامل ملف سياساتهم في حيز التطبيق. انهم يبغون الاتصال بالرجعيين، أي الاسلاميين والقوميين من المنظمات ولافراد المعارضين لامريكا والاحتلال الغربي وعقد صفقات معهم تحت قناع " تعبئة القوى المعادية للاحتلال و( المحبة للحرية!) لانهاء الاحتلال الامريكي". من المؤكد ان انهاء الاحتلال الامريكي البريطاني هو مطلب الجماهير في المجتمع. ولكن في الحقيقة فان ما يفعله هذا الحزب ومنظمته هو استخدام هذا المطلب كرافعة لمصالحه الخاصة ؛ أي التحالف مع الاسلاميين والقوميين، مفترضين بانهم بذلك سيحصلون على موقع قوي ازاء القوى الاسلامية والقومية الاخرى الموالية لامريكا والتي هي اليوم في السلطة.

 

انهم يعتقدون بانه ومن خلال فعل ذلك فان باستطاعتهم بلوغ السلطة ( البرلمان على سبيل المثال) وان ذلك سيفيد الاشتراكية !.

 

هذه انتهازية. حتى على صعيد تحرير المجتمع من المحتل الامريكي والبريطاني انه لمن السخرية الاعتقاد بان الحرية تعني الملكية العقارية " الحرة" اقصد بلداً تسيطر عليه البرجوازية المحلية وليس القوى الاجنبية. ذلك هو فهم الحركة القومية ودعايتها للحرية، اي حرية طبقتها هي. ان حرية المجتمع ، على اية حال ، تعني حرية كل الافراد والبشر ، حرية كل الجماهير من طغيان واستغلال كل الرجعيين سواء كانوا اجانب او محليين ومن ظمنهم هؤلاء الذين يتعامل معهم حزب ريبوار احمد.

 

لقد وضحنا من قبل هذا النمط من الانتهازية والتحويرات التي اجريت على اطروحة منصور حكمت " الحرب والسلطة السياسية". هذه القمامة النظرية التافهة لحزب ريبوار احمد قد وصلت الى مستوى جديد من الادراك اليوم في العراق. في بغداد، عرف رفاقنا في الحزب بان ذلك الحزب يلتقي ويتفاوض مع الرجعيين من اوطى الانواع. ولسوء الحظ ما كان في السابق يعد حزبا راديكاليا واشتراكياً يحاول اليوم  ان يكون مظلة للقوميين والاسلاميين. ان منظمة حرية العراق هي تلك المظلة. ان تلك المنظمة اليوم تستبدل الحزب في العراق، ولسبب وجيه بالطبع. لقد تركت مهمة الحصول على القوة من تنظيم الناس نحو الاشتراكية واستبدلتها بقوة موهومة للبرجوازية المنظمة لــ" الاستيلاء" على السلطة السياسية معهم. ان مقالات قادتهم تسقط اي ذكر للاشتراكية او العمال او المطالب الراديكالية او النقد الحاد للاسلام السياسي، وبدلا من ذلك بدأت بالتركيز على المنحى " الاشتراكي الديمقراطي" والمعادي للامبريالية. ان مقالاتهم اليوم تنتهي بشعارات من قبيل "عاشت منظمة حرية العراق !". ان " الالتماسات" القديمة التي ارسلت من قبل ليدر ذلك الحزب الى قادة الاتحاد الوطني الكردستاني حينما كوفئ الاخير بمنصب الحكومة المركزية في بغداد يلتمسهم فيها الصفح ويعدهم بان يكونوا معارضة مؤدبة ، قد تحولت اليوم الى صفقات سافرة مع بقية القوى القومية والاسلامية " المعارضة" والتي يبدو انها على استعداد اكبر للاصغاء. ومن جانبه فقد اجاب الاتحاد الوطني الكردستاني من جهته على تلك الالتماسات من خلال اعتقال فعالي ذلك الحزب والبدء بحملة جديدة من القمع ضد المعارضين السياسيين والجماهير.

 

 لقد قلناها في السابق: عندما يكون حزبا اشتراكيا ما ضعيفا وليس له قاعدة اجتماعية او قوة في المجتمع فانه حقيقة لا يهم كم يكون دبلوماسيا ازاء البرجوازية. ان البرجوازية لن تقوم باي مفاوضات مع حزب لا قوة له. ولم عليها ان تفعل ذلك؟. هذا التحليل مازال يتمتع بالصدقية. حزب ريبوار اليوم اضعف من سنتين خلت ببساطة لانه صفى كلياُ راديكاليته واشتراكيته واستبدلها بالدبلوماسية والاساليب المهذبة.

 

محسن ابراهيمي: تسيطر الاحزاب القومية على اقليم كردستان في شمال العراق. وقد شنت قوات امن الاتحاد الوطني الكردستاني الاسايش حملة اعتقالات وسجن للعديد من الفعالين في كردستان خلال التظاهرات الاخيرة؟ لم حصلت تلك الاعتقالات واسبابها؟ ماهو الوضع السياسي هناك؟

 

عصام شكــري: موجة من الاعتراضات اجتاحت كردستان. انها مستمرة منذ فترة. العديد من الاحتجاجات قد نظمت من قبل الناس العاديين، من العمال والكادحين. كل تلك الاحتجاجات تتمحور حول المطالب الاساسية من الكهرباء والماء وغاز الطبخ ورواتب اعلى وضمان العمال وبقية التحسينات للظروف المعيشية. ان جماهير كردستان لديهم تجربة مميزة مع الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي. لقد مضى على وجود تلك القوتين في السلطة 15 سنة. والى اليوم لا يوجد كهرباء او ماء نقي في كردستان!. ان اسعار غاز الطبخ عالية بشكل لا يطاق ولا يمكن لمعظم الناس توفيرها. الجماهير عاطلة عن العمل او انها تكدح لساعات طويلة للحصول على الحد الادنى الضروري وتكافح من اجل اطعام عوائلها. ان القادة القوميين للاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يعيشون بشكل فاحش الثراء. انهم يعيشون في قصور بلا قطوعات كهربائية او مع المولدات الكهربائية الضخمة بينما يغرق الملايين من الجماهير في الظلام. انهم يشربون من قناني المياه المعدنية ولديهم العديد من قناني الغاز. انهم يعيشون في ترف من تهريب النفط وسرقة موارد الجمارك واستغلال الملايين من العمال يومياً. العديد من هؤلاء " القادة" لديه اكثر من قصر، والعديد من السيارات الفارهة، والخدم. ان ملايين الجماهير في كردستان يعيشون دون خط الفقر وعندما يحتجون فانهم يواجهون بالرصاص والاعتقالات بالجملة والسجن. ان التظاهرات المؤخرة حدثت في العديد من المدن والبلدات والقرى، في سليمانية ورانية وجمجمال وكلار وبقية المناطق. اخر هجوم شن من قبل الميليشيات على الجماهير حدث منذ قرابة الاسبوعين في معمل سمنت طاسلوجة في مدينة السليمانية حيث شارك قرابة 900 عامل في اضراب عام للمطالبة باجور افضل ومخصصات الخطورة وارجاع رفاقهم المفصولين. لقد تمت مواجهتهم باطلاق النار عليهم وجرح 13 منهم تم اخذهم الى المستشفى. لقد رأوا في اجساد بعض العمال 3 رصاصات. كل المظاهرات جوبهت بالعنف والوحشية. كل طبقات المجتمع تحتج وتنتقد هذه الوحشية، من العمال والكادحين الى المهنيين والمحامين والمعلمين والمثقفين. لقد سأم الناس والاجواء تتغير بسرعة نحو المزيد من الاعتراضات. لذلك السبب فان الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي يلجأون الى اساليب اكثر وحشية معتقدين بان تلك الاجراءات ستردع الجماهير من الاحتجاج لتحسين ظروف حياتهم.

 

ان قادة كردستان يدعون بانهم يحترمون الجماهير وحقوق العمال للتظاهر والاحتجاج والتجمع ولكن تلك اكاذيب. من الناحية السياسية فان ذلك يكشف بن الجماهير ليست خائفة بعد اليوم من تهديدات وقمع الحركة القومية. في وقت صدام حسين دأبت تلك القوى القومية الكردية على اسكات الجماهير بادعاء وجود حالة من العدوانية من قبل الحركة القومية العربية واحتمال حدوث هجوم وشيك من قبل نظام البعث وقوات صدام. وكالعادة فان القوميين يقمعون من خلال تهديد الناس من خطر قوميين معادين. ان جماهير كردستان الان يقولون انتهى ذلك الان، تمت الاطاحة بنظام صدام والقومية العربية اليوم عاجزة عن الهجوم او حتى عن تنظيم نفسها؛ لم نستمر بالعيش هكذا؟ لم يزداد الفقر والتعاسة والرجعية؟ لم يزداد القمع؟.

 

باعتقادي ان جماهير كردستان تفتتح فصلا جديدا في كردستان. هذه حالة يقوم فيها الناس بالمشاركة في ادانة الحركة القومية. لقد وصلوا الى استنتاج مهم: ان القوميين والبرجوازية  بكليتها عاجزون،  وهم غير قادرين على حل المشاكل التي يواجهها المجتمع وجماهيريه الغفيرة. ليس هذا فحسب، بل لقد تم كشف البرجوازية القومية لاظهارها على حقيقتها؛ عدوة لدودة الى حرية ومساواة ورفاه كل جماهير كردستان. انا اعتقد بان الهجوم الاخير على اليسار والعمال والمحتجين في كردستان من قبل القوميين هو حركة يائسة للبقاء في السلطة؛ السلطة التي ساعدتهم الحرب الامريكية والبريطانية على الاستيلاء عليها. والان يحاولون بشدة البرهنة بانهم سيكونوا شركاء مخلصين الى امريكا ومعسكرها في العراق أي معسكر ارهاب الدولة. نحن في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي قد ادنا تلك الاعتداءات بشدة على الجماهير في كردستان ودعونا الى الاطلاق الفوري لسراح كل السجناء ودعونا الجماهير الى تشكيل مجالسهم فوراً دون ابطاء وتنظيم انفسهم والاستمرار في النضال. انا اعتقد بان الطريق الى الاشتراكية في كردستان بامكانه ان يبدأ مع وجود حركة شيوعية راديكالية بامكانها قيادة النضال نحو هذا الهدف.

 

هذا ما يرمي حزبنا الى تحقيقه.

—————————