حول الانتخابات الفلسطينيــــة

 

محسن ابراهيمي

 

جلب فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية الكثير من الاهتمام واثار العديد من التساؤلات. مالذي قاد حماس الى ذلك النصر؟ هل ان انتصار حماس يؤشر بان سياساتها تمتلك شرعية داخل اوساط الجماهير الفلسطينية؟ هل ان ذلك يعني ان غالبية الفلسطينيين متعاطفين مع دعوة حماس لازالة اسرائيل؟ هل ان ذلك يعني بان الحركة الاسلامية اكتسبت زخماً جديداً؟ ماهي نتائج الانتخابات للجماهير الفلسطينية واحتمالات السلام والامان في المنطقة؟

 

تصويت احتجاجي

 

سأل صحفي امرأة من الضفة الغربية لماذا صوت لحماس؟ اجابت ببساطة: "لم تفعل السلطة الفلسطينية لنا ولاطفالنا شيئاً. لم يكن بمقدورها جلب أي امان او فرص عمل. لم يكن بمقدورها وضع رغيف الخبز على طاولتنا. لقد خدموا مصالحهم فحسب. لنر مالذي باستطاعة حماس ان تفعله لنا!". ان حقيقة هذه الانتخابات تتبين في هذه الكلمات البسيطة. هذه الكلمات انعكاس صادقا لرغبات واماني الشعب الفلسطيني. ان تلك الاستجابة لتلك الامرأة المقموعة لم تبين بانها انتخبت حماس لان حماس قد فجرت الاطفال الاسرائيليين وهم في طريقهم الى مدارسهم او انها وعدت لمحق الشعب اليهودي من على وجه الخريطة او انها تنوي فرض قانون الشريعة او رمي النساء بالحجارة حتى الموت واقامة الجمهورية الاسلامية في فلسطين!.

 

من الواضح وكأي قسم من الحركة الاسلامية فان حماس تتمتع بدعم مجموعة من المتعاطفين الايديولوجين المغسولي الادمغة. ولكن الطموحات والاماني السياسية لغالبية الجماهير حتى اؤلئك الذين صوتوا لحماس ممكن ان نجدها في الكلمات البسيطة لتلك الامرأة. ان كلماتها ترينا بوجود هوة كبيرة بين ما تريده الجماهير من جانب والغايات الايديولوجية واجندة حماس من جهة اخرى. ان انتصار حماس لذلك هو تصويت احتجاج ضد السلطة الفلسطينية وحركة فتح باعتبارها المنظمة الاكثر حضوة فيها.

 

حماس تدين بدين ثقيل الى سياسات حكومة اسرائيل العنصرية!

 

لقد مضى قرابة العقد من الزمان وما يسمى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في ايدي السلطة الفلسطينية. اقول "ما يسمى" لان الضفة الغربية وقطاع عزة لم يكونا مجتمعا فعالا بهيكلية اقتصادية ومدنية وسياسية واضحة. ان هذين القطاعين المحتلين اصبحا ملجاً لعدد كبير من المرحلين والذين تعرضت وسائل حياتهم ومأواهم وامنهم الى الخطر وبشكل يومي. (كان ياسر عرفات من الناحية الفعلية نفسه سجيناً في مكتبه حتى وفاته). ان الفقر والبطالة والمستقبل المظلم وانعدام الامل والتمييز والبيوت المهدمة والارهاب المستمر – كلها كانت الرواية اليومية للجماهير في تلك المناطق.

 

هذا الوضع اليائس هو مصدر كراهية الجماهير الفلسطينية المتنامية لدولة اسرائيل من جانب ومرارتهم من السلطة الفلسطينية وحركة فتح من جانب اخر. وللفلسطيني العادي فان السلطة الفلسطينية وحركة فتح لم تستطيعا وضع نهاية لهذه المآسي. زيادة على ذلك فان اتهامات بالفساد والتلاعب والرشاوي قد استمرت تحوم حول السلطة الفلسطينية على طول الخط.

 

استطاعت حماس في الواقع ان تستثمر تلك الوقائع. بالاضافة الى ذلك فان الدعم المالي من الجمهورية الاسلامية في ايران فان حماس كان بمقدورها تنظيم شبكة من "الاعمال الخيرية" وتستغلها بشكل مهول كتكتيك سياسي. وباختصار فان انتصار حماس السياسي مرده الى اليأس وانعدام الامل والفقر ونقص البديل السياسي للجماهير الفلسطينية.

 

هل تحصل الحركة الاسلامية على زخم ؟

 

هل يعني انتصار حماس انها ستحصل على ارض جديدة؟ الجواب هو نعم اذا حصرنا تحليلنا فقط في الانتخابات ونتائج التصويت بالاكثرية لحماس. الجواب لا اذا اخذنا العناصر السياسية الاساسية. وكما ذكرت من قبل فان هنالك فجوة هائلة بين التطلعات الانسانية للجماهير الفلسطينية وايديولوجية حماس الاسلامية اللا انسانية. لن تستطيع حماس ابدا ولن يكون بمقدورها ان تلبي الحاجات الحقيقية للجماهير في السلام وفرص العمل والرفاه والامان. بوجود ايديولوجيتها الاسلامية فان حماس كانت ومازالت وستظل جزءا اساسيا من المشاكل التي عانت منها تلك الجماهير لفترة طويلة. ان حماس نفسها هي جزء من المشكلة وليس الحل. ستظهر قريبا الى السطح كل تلك التناقضات بين اجندة حماس وارادة الجماهير. كل التعاسات التي لعبت بها حماس وهي في المعارضة سترتد فورا ضد حماس حين تستولي على السلطة التنفيذية.

 

ان حماس باعتبارها القوة الاساسية في المجلس التشريعي ستكون مختلفة عن حماس كمعارضة مسلحة معادية لاسرائيل. ان حماس في السلطة ستثبت بانها متفوقة على المنظمات الاخرى فيما يخص الفساد والرشوة والرياء. ان غالبية من صوتوا لحماس سيتولوا عنها ويقفوا ضدها.

 

احتمال السلام في المنطقة والقوة الثالثة

 

ماذا سيكون عليه السلام المستقبلي في المنطقة؟ هل سيكون احتمال السلام بين جزئين من الجماهير في المنطقة اكثر عتمة من السابق؟ هل ان قفز حماس الى السلطة سينجم عن انتشار الفظائع المتبادلة بين جناحي اليمين في اسرائيل والسلطة الفلسطينية تحت حماس الاسلامية؟ هل نتوقع موجة جديدة من حمامات الدم؟

 

الجوال نعم اذا اصبح الجناح اليميني في اسرائيل وحماس القطبين الوحيدين واللاعبين في المسرح السياسي. ولكنهما ليسا كذلك. هنالك لاعب ثالث؛ محب للسلام، راديكالي، وانساني وهو الجماهير في كل من اسرائيل وفلسطين. ان التيار المستقبلي مشروط بدرجة تنظيم هذه القوة وقدرتها على التصرف كقوة سياسية مستقلة.

 

لحد هذه اللحظة، فان الرغبات العارمة للسلام من قبل الجماهير على الجانبين قد اجبرت الجناح اليميني في اسرائيل وحركة فتح في فلسطين على اعتبار وجود دولتين بجانب بعضهما.( تحت ضغط واضح من قبل الجماهير من اجل السلام فان آرييل شارون سئ الصيت قد ترك حزب الليكود ليؤسس حزب كاديما والبدء بازالة المستوطنات الاسرائيلية.)

 

وعالميا فان الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية وهي تواجه مأزقا في العراق وتتعرض الى التهديد بمواجهة كراهية متنامية من قبل الجماهير ضد فظائع اسرائيل وبدعم الولايات المتحدة قد اذعنت لسياسة الدولتين.كل تلك العوامل السياسية الخارجية والداخلية ستؤدي بحماس الى الوقوع في تناقضاتها.      

  

ان حماس باعتبارها حركة اسلامية ستضغط لتمرير اجندتها الاسلامية: ازالة الشعب اليهودي من الخريطة، اقامة دولة فلسطين الاسلامية وفرض قانون الشريعة. كل تلك معادية لارادة الجماهير بمعنى السلام والرفاه. اذا ما اختارت حماس ان تظل متمسكة باساسياتها الاسلامية، ستخسر سريعا نفس الجماهير الذين صوتوا لها. واذا ما اختارت حماس ان تبقي الناس في جانبها فان عليها وبانفتاح ان تنسف اسس ايديولوجيتها الاسلامية. هذا تناقض اساسي. كلما لعب القطب الثالث دوراً منظماً اكثر في المشهد السياسي كلما ستسحق حماس تحت تناقضاتها.