مقابلة نحو الاشتراكية مع سمير نوري عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي حول الاحتجاجات الجماهيرية والحركة المجالسية

 

 

نحو الاشتراكية: كما لاحظنا في المظاهرات الأخيرة التي شملت معظم مناطق العراق عموما" وكردستان خصوصا"، قد رفع بعض المتظاهرين شعارات تنادي باقامة نظام ديمقراطي في العراق وكردستان وكأن الديمقراطية عصا سحري من شأنها ان تحقق الرفاه والحرية للمواطنيين. فكيف تقيم مثل تلك الشعارات؟ ومن يقف وراءها؟ وهل هناك امكانية موضوعية لاقامة نظام ديمقراطي في العراق؟

 

سمير نوري: ان الشعارات الأساسية في كل المظاهرات و على الصعيد المنطقة عموما" تتمحور حول الخبز و الحرية وضمان البطالة ومحاكمة الفاسدين وتوفير الخدمات المعدومة أما في العراق على وجه الخصوص فتتمحور حول الكهرباء و الماء الصافي والخدمات الصحية وتنظيف الشوارع ومحاكمة الذين لطخت اياديهم بدماء الناس و فيما يخص الجانب السياسي الجماهير عبر عن سخطها من الطائفية و القومية و نحن نسمع من الناس بانهم نادمين من التصويت للمتسلطين الآن في العراق. ولذلك فان مطلب نظام ديموقراطي في الحقيقة رفعت من قبل الغرب و خاصة امريكا و من قبل القوى البرجوازية الموجودة في صف السلطة و ليس في جبهة الجماهير و هناك برفقتهم مثقفين متوهمين و الذين ليس لهم اي دور يذكر على الأحداث يتحدثون عن الديموقراطية و الديموقراطية الحقيقية .

وفي العراق أيضا" خرج الجماهير ضد النظام الديموقراطي للنظام العالمي الجديد المتمثل بالسلطة التي زمر وطبل لها الغرب و وقع على شرعيتها و دعمها دعما كاملا ، أي ذلك النظام الدموي الذي سبب في قتل مئات الألآف من المواطنين العراقيين و اغرق العراق في دوامة التقسيم القومي و الديني و الطائفي و شرد اربعة ملايين انسان و حرم الأطفال من حياتهم و طفولتهم و اجبر النساء على القبول باسوء الظروف منذ مائة سنة و منذ تشكيل الدولة العراقية. ان الجماهير انتفضوا ضد هذا النظام الديموقراطي للنظام العالم الجديد و رفضوا هذا النظام .

في العراق البرجوازية وصلت الى طريق مسدود فاذا كان الغرب يتحدث عن الثورة الموالية للديموقراطية في تونس و مصر لان النظام كان نظاما دكتاتوريا فرديا هناك و من الممكن تحصل على اذان صاغية لهذا الطرح الرجعي، و لكن في العراق اجريت الأنتخابات البرلمانية و الديموقراطية البرو غربية و مهزلة الضحك على الذقون. ان كل القوى البرجوازية دخلوا العملية السياسية و شاركوا في الأنتخابات بما فيها الحزب الشيوعي العراقي و حتى الحزب الشيوعي العمالي العراقي فلولا انتقادنا التي ساعدتهم على الانسحاب في الوقت المناسب لكانوا الآن وسط الوحل ويسبحون في نفس المستنقع. فيا ترى ما هي الديموقراطية التي يتحدثون عنه و كيف بامكانهم ان يقنعوالجماهير بها.

 

الجماهير تقوم بالثورة ضد سلب ارادتها و انعزالها وابعادها عن الميدان السياسي وعن  تقرير مصيرها السياسي، الديموقراطية غير قادرة على ارجاع هذا الارادة الى الجماهير، حتى في الدول الغربية الديموقراطية الأنتخابات لا يستطيع ان يرجع حق الأختيار السياسي الى الجماهير، الديموقراطية تعني في احسن الأحوال اني اذهب الى صناديق الأقتراع و اصوت الى قائمة او اشخاص معينين و بعد ذالك اني لا اعرف ماذا يفعلون و يقررون على ماذا و ليس لي الحق في التدخل, وحتى هذا التصويت في العراق شيء صوري و لا يوجد اي الية لضمان ذالك. ان الجماهير شبعت من ديموقراطية  الفقر و البطالة و الحرمان من الامان.

في الحقيقة ان الطابع الثوري لأوضاع العراق وخصوصيتها هي التي تقف وجها لوجه مع الديموقراطية و هذا هو السبب الأساسي لعدم اهتمام الغرب بأوضاع العراق، ان الثورة تريد بناء دولة علمانية و غير قومية و مرفه و هذا هو عين الأشتراكية و لا يوجد اي تبرير عن عدم الحديث عن الأشتراكية في العراق.

اننا سمعنا من طالباني و برزاني بانهم يريدون القيام بالانتخابات قبل موعدها و لكن الجماهير في ساحة الحرية في السليمانية ردوا عليهم بالنفي، الجماهير لا يريد الأنتخابات و الديموقراطية الجماهير تريد التدخل في المصير السياسي للمجتمع و الديموقراطية غير قادرة على هذا.    

  

 

نحو الاشتراكية: لقد شارك بعض القوى السياسية في كردستان ومنها حركة التغيير و القوى التي يسمون انفسهم بالمعارضة و من ضمنهم كتلتين اسلاميتين، برأيكم ما تأثيرات هذه القوى على الساحة الكردستانية و بالأخص على الانتفاضة الجماهيرية؟

سمير نوري: القوى المتصارعة في كردستان العراق تتكون من القوميين الكرد و الاسلام السياسي و الشيوعية العمالية، وخلال20 سنة خلت تصارعت هذه القوى الثلاثة على المصير السياسي في كردستان العراق و لكل حركة من هذه الحركات الثلاثة افاق معينة و برنامج و شعارات و شخصيات و احزاب محددة.

الحركة القومية الكردية تتكون من الأتحاد الوطني و الحزب الديموقرطي الكردستاني و حركة التغير و هذه الحركة اي الحركة القومية الكردية مارست السلطة خلال 20سنة مضت و قامت بفرض الفقر و البطالة  وسلب و نهب كل ثروات المجتمع ومن جرائها انقسم المجتمع الى اكثرية فقراء و اقلية اغنياء بشكل خطير و الفجوة الطبقية ازدات بشكل صارخ و قمعوا الجماهير بشتى اشكال القمع والتعسف من القتل و الاغتيالات  و التهديد و الترهيب وفرضوا القوانين الرجعية على المجتمع و خاصة ضد المرأة. و لهذا فإن اعتبار و نفوذ هذه الحركة الآن تتجه نحو الهبوط و اننا اشرنا في احدى مقابلاتنا مع مجلة " نيوند" قبل سنة تقريبا قلنا بان القوميين الكرد الان يعيشون في ازمة و اشرنا الى اسباب هذا الازمة و قلنا بان الجماهير الواسعة لا تريد سلتطهم و هناك نقمة واسعة ضدهم.

اما الأسلام السياسي فهذه الحركة لم تكن لديها نفوذ اجتماعي في كردستان العراق ابدا انهم بقوة السلاح و توزيع الخيرات و بدعم  المالي من الايران و السعودية استطاعوا من جمع بعض الناس حولهم و انهم لا يخرجون من اطار التيار القومي _ الأسلامي و من دائرة تقسيم الغنائم مع القوميين الكرد فبهذه السبل استطاعوا ان يحافظوا على وجودهم.

لكن الحركة اليسارية و الشيوعية العمالية و النضال الطبقي في كردستان فلها تاريخ قصير و لكن مليء بالصراعات و النضال ضد القوى الرجعية ، و خاصة بعد سنة 1991 حيث خرجت قوى اليسار الى المجتمع ببديل جديد و هي الحركة المجالسية و الحركة المساواتية للمرأة و حركة العاطلين عن العمل ونستطيع ان نقول بان التاريخ الحديث في كردستان العراق هي تاريخ الصراع بين هاتين القوتين الأساسيتين البرجوازية القومية _ الأسلامية من طرف و الحركة اليسارية و الشيوعية العمالية في الطرف الأخر.

لهذا برأينا ان حركة التغير" كوران" و الأسلاميين الذين لحد اليوم لم يعلنوا بشكل صريح انهم مع الجماهير المعترضة في ساحة الحرية في السليمانية و المدن و القصبات الأخرى لا يشكلون في الحقيقة سوى جزءا" من القوى داخل الثورة وأنهم يشكلون القوى المضادة للثورة و دورهم الآن يتمحور بلعبهم دور صمام الامان حتى هذه الحركة لا تطور الى حركة تهدد بالاطاحة بكل القوى البرجوازية .

 

نحو الأشتراكية: بعد بضعة ايام سنصادف الذكرى السنوية لانطلاقة الحركة المجالسية في كردستان العراق ، والآن انتم تتحدثون عن تشكيل المجالس و السلطة المجالسية ، فكيف تتفق تشكيل المجالس و السلطة المجالسية مع تطلعات الجماهير الثورة؟

سمير نوري: ان يوم 18 مارس هو يوم المجالس في كردستان العراق و في هذه اليوم تجمع اكثر من خمسين الف شخص من المجالس الشعبية و العمالية في السليمانية للوقوف بوجه الهجمة الشرسة التي قامت بها سلطات الجبهة الكردستانية و احزابها في 1991  و كان ذالك اليوم يشكل اوج قوة المجالس ، و كما تعلمون ان المجالس تشكلت في اكثرية المدن و المجمعات في كردستان و بلاوائح ثورية و كان متناقضا كليا مع بلاتفورم القوميين الكرد و كان معاديا لهم. وانني اهنأ جميع الناشطين المجالسين بهذه المناسبة و انحنى اجلالا امام الذين ضحوا بحياتهم من اجل الحرية و المساواة و من اجل عالم افضل و من اجل انجاح الحركة المجالسية و المجد و الخلود لهم.

ان التاريخ المعاصر مليئة بالتجارب المجالسية و الكومونية و هذا الشكل للسلطة تعيد انتاجه كل ما برزت ثورة جماهيرية و في اية بقعة كان من العالم . في كومونة باريس و في ثورة اكتوبر الأشتراكية و في ثورة 1979 الأيرانية و حتى في تونس و مصر اليوم نرى الجماهير تسعى لتشكيل المجالس و اللجان الأدارية بانفسهم. و تجربتنا بهذا الخصوص هي تجربة حية في كردستان العراق و لا يزال الناشطين في هذا المجالس احياء و هم يزاولون النشاط السياسي و الأجتماعي. و نحن نريد هذا التقليد و هذا الشكل من السلطة لاسباب معينة.

ان الجماهير يسعى لممارس نشاطه السايسي و يتدخل في تحديد مصره السياسي بنفسه  مباشرة  و نحن نريد تعميق هذه الغريزة الثورية و نريد تحويلها الى عمل ثوري و منظم و مبرمج متمثل بتشكيل المجالس بوصفه جوهرا" لهذا العمل الثوري. و في خضم الاوضاع الحالية وعلى اثر الثورة و الأنتفاضات الجماهيرية تخلق تزداد يوما" بعد يوم الفراغ الاداري والسياسي يجب ملء هذا الفراغ في السلطة  بارادة الجماهير المنتفضة بدلا من الرجعيين والجنرالات  العسكرية و قوى الثورة المضادة، ان المجالس الشعبية و العمالية تستيطع ان تملء هذا الفراغ و في نفس الوقت تدير شؤون المناطق و لا تسمح بالفوضى و الهرج و المرج و تدمير البلد كليا من قبل العصابات و اللصوص و المجرمين ، و يستطيع تقديم افضل الخدمات في المحلات و المعامل و المؤسسات. اننا قلنا ان الجماهير يريد الحرية و التدخل المباشر في الحياة السياسية وان المجالس هي الاسلوب و البديل لهذا الأمر كم وان الاوضاع الثورية هي احسن الظروف لبناء المجالس و بسط قدرتها و سلتطها. واذا ما أراد الجماهير ان لا يسلب منها ثمار نضالاته العظيمة فيجب ان تصمم على تشكيل المجالس واقامة السلطة المجالسية على صعيد كل البلد.