لماذا اطلق النار على اضراب عمال طاسلوجة؟ 

  وأفق الحركة العمالية في كردستان !!

 

سمير نوري

 

ان اطلاق النار على العمال المضربين في معمل سمنت طاسلوجة ليس بامر جديد على السلطات القومية الميليشياتية في كردستان. فتأريخ هذه الحركة مليئة بالأعمال القمعية ضد الجماهير عامة و العمال خاصة، وان للحزبين القوميين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني تاريخ اسود من القمع والممارسات الاستبدادية، و خاصة تأريخهم الحديث خلال الخمسة عشرة سنة الماضية. ان قمع الحركة المجالسية واغتيال قادة الحركة العمالية واعتقالهم وفرض اساليب استبدادية ضد المنظمات الجماهيرية والعمالية في كردستان ، يشكل محصلة تأريخهم الأسود الحديث وينبذ كل ادعائاتهم حول الديموقراطية و الحرية.

 

الا ان الجديد في الامر ليس اساليبهم و ممارساتهم واستبدادهم ، بل التغير الجدي في الأشكال النضالية وسعة هذه النضالات العمالية التي لم يشهدها كردستان من قبل و خاصة خلال العشرة سنوات الماضية.  ان أضراب كهذا لا يمر بسلام على البرجوازية الكردية و خاصة في اكبر المصانع المنتجة، وسوف يجر اكثرية الفئات العمالية ورائه اذا نجح في سعيه و نضاله ضد البرجوازية و ارباب العمل.

 

ان البرجوازية الكردية هذه الايام تواجه موجة قوية من الأعتراضات و النضالات الجماهيرية وعلى صعيد و اسع و من اجل تحقيق المطالب الفورية. ويوما بعد اخر تزداد حدة هذه النضالات وتشكل خطرا اكبر على السلطة المحلية للقوميين الكرد. ان الأعتراضات الأخيرة في مدينة السليمانية يبين بوضوح مدى عمق النقمة الشعبية ضد هذه الأحزاب ومسؤليهم و اداراتهم التي لن تستطيع ان توفر ادنى الخدمات الأجتماعية للمواطنين، وتعاني من الفساد الأداري والفوضى.

 

ان الاضراب العمالي يعطي بعدا اوسع لهذه النضالات و يسبغها بطابع طبقي ويعمق الصراع اكثر، وان اضراب عمال طاسلوجة  يدفع الحركة الى هذا الأتجاه شئنا ام ابينا و يزيد من التباين بين الطبقات وسوف ينعكس ذلك على كل فئات العمال. وكما رأينا لم يمر اسبوع على هذا الأضراب، وبغض النظر عن قمعه، فقد هدد عمال الجمارك في رانية بالأضراب اذا لم يردوا بالأيجاب على مطالبهم. تفهم البرجوازية بغريزتها الطبقية  هذه الخطورة وتعرف ان من الممكن توهين عامة الجماهير وتشتيتها واسكاتها و قمعها بسهولة ، لكن الطبقة العاملة اذا ما نزلت الى الشارع واعلنت حربها ضد البرجوازية فان الوضع لن ينتهي بسهولة. ان اضراب عمال طاسلوجة دق ناقوس الخطر. هل كان العمال واعين بهذا الأمر ام لا ؟ هذا لا يغير في الامر شيئا. في الحقيقة فقد بين العمال حقيقة أنهم لا يسكتون بسهولة وبغض النظر فيما لو اعترفت البرجوازية بحق الاضراب ام لم تعترف، واعلنوا انهم ليسوا عبيداً.

 

ان كل من امر بأطلاق النار على العمال ومالك المعمل والمسؤولين متهمين جميعهم باطلاق النار على العمال و ليس فقط اؤلئك المسلحين الذين اطلقوا النار واغرقوا العمال بدمائهم. يجب ان لا تمر هذه الجريمة النكراء بسهولة دون ان يعاقب هؤلاء في محكمة علنية وعادلة و بمشاركة مباشرة من العمال وان تعوض لهم كل الخسائر التي لحقت بهم. يجب الا تنسى ايضا المطالب التي اضرب العمال من اجلها.

 

ان حق الأضراب والتظاهر والتنظيم للعمال هي مطالب ضرورية وفورية للعمال، الا ان البرجوازية وفي اكثر البلدان الرأسمالية تطوراً ورقياً تعمل على عرقلة الأضرابات العمالية وتحاول تطويقها وقمعها في اطر لا تتجاوز الحدود المرسومة لها، على عكس البلدان المعروفة بالعالم الثالث والتي تواجه أي تحرك للعمال بالحديد والنار. وعلى هذا فعلى العمال الا يتوهموا بوعود البرجوازية، وعليهم رص صفوفهم وتشكيل المجالس والاتحادات المناضلة وتحت الراية الشيوعية الراديكالية لا المتخاذلة.

 

ان احد نقاط الضعف في اضراب عمال طاسلوجة هو عدم وجود تنظيم قوي نضالي و قادة اقوياء واضحي الأفاق. ان النقابة العمالية "السنديكا" هي منظمة عميلة للبرجوازية وبالأخص للاتحاد الوطني الكردستاني وليس لها غير من دور غير اسكات واخراس واخماد نقمة واعتراضات وغضب العمال. ان عدم و جود منظمة عمالية جماهيرية تقود العمال وتوحد صفوفهم يشل تطور حركتهم ويعطي الفرصة للبرجوازية الظفر بهم و افشالهم. ان تشكيل المنظمات العمالية الجماهيرية يساعد على تطوير الحركة كحركة سياسية طبقية على صعيد البلد ككل و يتجاوز الضعف الذي رايناه في الاضراب حيث لم نر مساندة عمال القطاعات الاخرى ذلك الاضراب وبادنى مستويات المساندة.

 

واذا قارنا بين اوضاع العمال من الناحية السياسية بسنوات التسعينات، يظهر بان حركة العمال تقهقرت وتراجعت. في تلك الفترة لم نكن نرى اعتراضا او حدثا عماليا واحداً ولا تشكيل منظمة عمالية لم يكن الشيوعيون العماليون طرفاً في قيادتها او قد لعبوا دوراً رئيسياً فيها. كما ان اكثرية القادة العماليين كانوا ملتفتين حول الشيوعية العمالية وافاقها. الا انه وبسبب السياسة المتخاذلة ليمين الحركة وتحت راية عدم الاتهام بــوجود" يد تقف خلف ذلك !" أي خلف الاعتراضات العمالية، فقد تراجعت حركة الشيوعية العمالية داخل الحركة العمالية و فقدت بريقها. ان العمال يحتاجون الى " يد تقف خلفهم" ويحتاجون الى حزب شيوعي جريئ ومناضل يقود اعتراضاتهم ويوحد صفوفهم ويساندهم ويقف بوجه البرجوازية ليس فقط محليا، وانما عالميا، لا على صعيد معمل او مدينة او منطقة بل على صعيد الطبقة العاملة ويطور حركتها كحركة سياسية طبقية. دون هكذا حزب و دون شيوعية عمالية "متطرفة" وغير متخاذلة فان اعتراضات العمال تبقى مجرد حبة اسبرين لتخفيف الام حياتهم مؤقتا فحسب.

 

ان الذين اعلنوا للأتحاد الوطني انهم ليسوا " يدا تقف خلف" اعتراضات العمال والجماهير في كردستان قد اعلنوا ، في الحقيقة ، تخاذلهم للبرجوازية وتخليهم عن العمال والراية الثورية للشيوعية العمالية.

 

ان عمال كردستان بحاجة الى " يد وساعد " حزب شيوعي عمالي ثوري تقف خلفهم وتقود نضالاتهم، هذا الحزب هو الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. هذا  الحزب لا يهمه اتهامات البرجوازية له بالوقوف خلف اعتراضات العمال خاصة والجماهير عامة، بل بالعكس انه مهتم بانظمام قادة العمال والاشتراكيين والفعالين اليه وان تعتبر جماهر العمال هذا الحزب حزبها وهو يسعى بكل جهده لملأ الفراغ والحصول على هذه المكانة.

 

ان افق الحركة العمالية مرهون بتطور الحركة العمالية من الناحية الكيفية والكمية ، و لكن اضراب عمال طاسلوجة قد اشعل الضوء الأخضر للتقدم الى الأمام ويبين بان للحركة العمالية استعداد للتطور و انها بحاجة الى دور الشيوعيين الراديكاليين.