مهزلة الانتخابات، الثورة "المخملية" الحمراء في شوارع طهران! ونهاية مرحلة!

 

سمير نوري

 

قبل اكثر من 10سنوات تحدث  منصور حكمت عن حركة اسقاط الجمهورية الأسلامية وقال ان الحكومة متوجهة نحو النهاية. في ذلك الوقت لم يكن ذلك التصور مفهوما حتى الى الكثير من المقربين من منصور حكمت - راجعوا وثائق مؤتمر الثالث  للحزب الشيوعي العمالي الأيراني.

 

ولكن بعد فترة قصيرة من الزمن تغيرت الاوضاع كليا في ايران وتطورت الاعتراضات الجماهيرية، الأضرابات العمالية ( عمال شركة واحد للباصات في طهران، عمال شركة قصب السكر في شوش وديزفول، اضرابات عمال المعادن في اصفهان ، اضرابات عمال سنندج، تنظيم منظمات عمالية قوية بغض النظر عن حملات القوى القمعية  ضدهم لا يزال عدد من قادتهم في المعتقلات و االتي ادى اعلان المنظمات العمالية العالمية الى التظاهرة العالمية ضد سفارات الجمهورية الأسلامي في كل البلدان في 26 حزيران…)، الأعتراضات الجماهيرية ضد الحكومة الأسلامية، التحركات الطلابية اليسارية في جامعة طهران وتبريز، نضالات يوم المرأة العالمي ويوم الطفل والأول من ايار، قد اوضح مدى عمق النضال الجماهيري وتطوره السريع، و كيف ان الأسفل لا يقبل و لا يتحمل الحكومة، وكيف ان هذه الحركة دفعت الحكومة الأسلامية الى المأزق وانسداد افاقها.

 

لقد تطورت حركة اسقاط النظام الآن واقتربت من تحولها لحركة ثورية لأسقاط النظام الأسلامي و بناء عالم افضل. بدون فهم هذا الواقع لا يمكن فهم تطورات الأوضاع في ايران. تشكل هذا الحركة العامل الموضوعي الأساسي في الوضع السياسي في ايران، بدون فهم هذا الحركة لا يمكن تفسير سبب انشقاق الجمهورية الأسلامية لاجنحة متعددة تنهش بعضها. ان الأنقسام في "رأس" الجمهورية الأسلامية يبين ان  الأعلى لا يستطيع الاستمرار في الحكم وادامته. وقد كانت مهزلة الانتخابات تجسيدا لهذا الواقع الذي يمر بايران ويبين وضع الهيئة الحاكمة في ايران. وبمعنى ادق ان الأسفل لا يتحمل والأعلى عاجز على الحكم.

ان الأنتخابات التي شهدناها خلال الأيام السابقة كانت اكثر من مهزلة؛ انتخابات بين حفنة من المجرمين والفاسدين و القتلة حسب اوصافهم هما، وقد ارادوا ان تختار الجماهير بين السيئ وبين الأسوأ. وبالعكس من هذا رفعت الجماهير شعار (لا نختار بين السيئ و الاسوأ نريد عالما افضل)، ولكن انتخاباتهم ادت بهم الى فضح بعضهم بعضا ونهش جسد الجمهورية الأسلامية وامام الجماهير الواسعة وعبر القنوات التلفزيونية. وكما وضح حميد تقوائي ليدر الحزب الشيوعي العمالي الايراني :" التي غطت على الواقع الأيراني هذه الأيام ليس اجواء الأنتخابات، انما اجواء السقوط ! فالمجرمون يعرون بعضهم بعضا ويعلنون للعلن نهبهم وتزويراتهم وجرائمهم. هذه الأنتخابات كانت انتحار للجمهورية الاسلامية، وما نشاهده هذه الايام يبين حقانية كلامنا ".

 

ان الذين شاركوا بالتصويت والذين نزلوا الى الشارع احتجاجا على التزوير ومن رفعوا شعار "ارجعوا لنا اصواتنا" ورافعي الرايات الخضر، ليسوا كلهم من مؤيدي موسوي والجناح "الأصلاحي" . لقد اختارت الجماهير اسلوبا لضرب الجمهورية الأسلامية وبطريقة دقيقة اولا صوتوا لموسوي لكي يزيدوا الهوة بين اجنحة النظام الأسلامي وكما رأينا ونزلوا الى الشارع برفع رايات خضر حتى يقولوا للجمهورية الأسلامية " الموت للدكتاتور" و يعلنوا للعالم  شعا "سيد علي بينوشيه، ايران شيلي نميشي" ( ترجمة الشعارهو: سيد علي بينوشيه، ليس بامكانكم تحويل ايران الى تشيلي اخرى).، هل هناك اوضح من هذا ؟ هل هناك اوضح من شعار الموت للدكتاتور؟ وكما نتذكر شعار" الموت للشاه" في 1979 .

 

ان البرجوازية تتخبط و محرجة امام احداث ايران و ليس لديها بديل.،الجمهورية الأسلامية تتجه نحوة السقوط، و الجناح " المحافظ" لا يستطيع القمع في حين ان الجناح " الأصلاحي " لا يستطيع السيطرة على الجماهير. يدعو موسوي الى عدم التظاهر، ولكن الملايين تخرج الى الشارع. يدعو موسوي الى التوجه الى الجوامع و التكايا، ولكن الجماهير تنزل الى الشوارع. انهم يقولون ارجعوا لنا اصواتنا و " الموت للدكتاتور". يدعون الجماهير الى التهدئة ولكن الجماهيرتهاجم وتحرق تلفزيون مدينة تبريز، ويهاجمون الحرس الثوري، و يرفعون شعار " الذي قتل اخي سوف اقتله". ان تلك احداث جرت في اقل من اسبوع.  فشلت الأنتخابات، والطرفان في مأزق؛ اعلن خامنئي مساندته الكاملة لأحمدي نجاد، ولم يبق امام موسوي و كروبي الأ ان يرجعوا الى الجماهير، و الجماهير لا تقف عند خط توجهياتهم و لا يلتزموا بتوصياتهم،

هناك من يقول ان موسوي يتلاعب بالجماهير والحقيقة ان الجماهير هي التي حولت موسوي الى لعبة بأيديهم. انتهى المشهد الأول.

 

الاعلام البرجوازي و خاصة قنوات البي بي سي والسي ان ان يريدوا التصوير بان الصراع في الانتخابات ليس بين جناحين من اجنحة البرجوازية انما فقط بين جناحين للهيئة الحاكمة. ولكن وسائل الأعلام البرجوازية وخاصة الضخمة منها لا يعكسون الواقع الا لصالح البرجوازية. لقد صارت تلك الوسائل متحدثين باسم اشباه ايات الله في ايران. المشكلة لا تقف عند هذا الحد، بل هناك مثقفين ومنظمات سياسية تعتبر نفسها شيوعية او شبه شيوعية تردد نفس تلك الترهات والتصويرات الخادعة؛ فالشمس لا تدور حول الأرض بل ان العكس هو الصحيح حتى لو اعدموا كل علماء عصر النهضة. اليوم هناك من يمثل جان جاك روسو و فولتير عصر النهضة ، ويصرحون بان الأرض هي التي تدور حول الشمس. انهم الشيوعيون العماليون، الذين يمثلون جانبا مهما من واقع ايران. دون رؤية ذلك الجانب من المعادلة سنكون كمن يقول ان الشمس تدور حول الأرض، وهؤلاء اذا لم يتحولوا الى امثال من احرقوا فلاسفة عصر النهضة فانهم سوف يلعبوا دور المتفرجين.

 

كان هناك من يتصور ان هناك وضع ان السلطة سوف تحول من يد الى يد اخر عن طريق الثورة المخملية وبشكل تدريجي. لا يوجد شيء اسمه الثورة المخملية بمعنى ان السلطة تسلم من قوى برجوازية شرقية الى برجوازية السوق الحرة. لا يوجد قوى لديها هذا التطلع في ايران.  طبعا بنهاية الاسبوع فان ذلك الحلم  الساذج انتهى و حتى الكثيرين من اصحاب هذا التصور يحسون بضق التنفس لما يفكرون بهكذا تغير. جناح موسوي اراد ان يصل الى السلطة و يضع مكانة لولاية الفقيه وخامنئي كمكانة بابا الفاتيكان و يرسلونهم الى قم او النجف، و لكن هذا الحلم انتهى و تبين بأن ولاية فقيه لن يتخلى عن السلطة السياسية و لا يرضى فقط باصدار الفتاوي وان خطاب خامنئي يبين ذلك بوضوح.  لقد استفادت الجماهير المنتفضة والمتعطشة للحرية من هذا الواقع و نزلت بكل قوتها الى الشارع والأيام القادمة تحتوي على الكثير من المفاجئات. ان هذه الأيام تحمل في طياتها مدة سنين وانالتغيرات شديدة السرعة، ومن لا يفهم هذا الواقع سيبقى في ذيل الأحداث.

المجتمع الأيراني امام ثورة عظيمة تريد ارجاع ايران الى القرن الواحد و العشرين. لقد تحدثت عن العناصر الموضوعية للثورة الأيرانية واشرت الى الأعتراضات الجماهيرية وتطور حركة أسقاط النظام وكيف ان تلك الحركة قد دفعت الهيئة الحاكمة الى الأنشقاق والتشتت وعدم القدرة على التحكم في الوضع. ولكن لا يزال هناك عنصر مهم في هذه لأوضاع يجب الوقوف عنده وايضا يعتبر عنصرا مهما موضوعيا اخر لأحداث هذه الثورة في ايران والحقيقة ان يعتبر العنصر الجوهري لوصول الثورة الى محطتها النهائية وهي البديل للنظام الأسلامي. يمثل الحزب الشيوعي العمالي ذلك البديل.

 

ان الحزب الشيوعي الايراني هو الحزب التي يدعو الى الثورة وان راية الثورة بيد هذا الحزب.  ولديه فضائية تبث 24 ساعة من البرامج الحية ومنبر اجتماعي يتصل الناس به يوميا من أيران والبلدان الاخرى ويبث الأخبار على لسانه من الداخل و الخارج دون المرور باي مراقبة او فلتر.  لأول مرة تتحول فضائية الى منبر للأعتراضات الجماهيرية ومنبر للثورة. ان الجمهورية  الأسلامية عاجزة عن اسكات الجماهير بواسطة هذا المنبر العظيم. ان الحزب الشيوعي العمالي يعتبر البديل للسلطة الآن. فهنالك جماهير معترضة وحزب شيوعي عمالي في طرف، وهنالك الجمهورية الأسلامية بمحافظيها و اصلاحييها في الطرف الأخر. بدون هذا الحزب لن تصل الاعتراضات الجماهيرية لاي مكان. ستتعب الجماهير بعد اسبوعين او ثلاثة او تجبر بقوة القمع ويرسلونها الى البيوت بعدم وجود قوة تمثل الثورة وتعتبر البديل للجمهورية الأسلامية. وجود حزب الشيوعي العمالي الأيراني يمثل الأمل والأفق للحركة. ولا توجد اي قوة بامكانها ان ترجع الجماهير التي نزلت الى الشارع حتى الوصول لنهاية المطاف وتحقيق الاهداف النهائية للثورة.

 

هناك من يقول ان المظاهرات ليست لأسقاط الجمهورية الأسلامية ومتى  حدث ذلك واين؟. انها تفعل ذلك لكي تنتخب طرفا معينا؛ الجماهير تنزل الى الشارع و ترفع شعار الموت للدكتاتور، وخامنئي قال اذا عندكم اعتراض حول نتائج الأنتخابات يجب ان تراجعوا القنوات الأصولية، ولكن حسب الأخبار فالشوارع تغلي والتظاهرات تنتشر بسرعة البرق. ان النزول الى الشارع يعني الثورة وميدان للصراع الثوري والرجوع الى الأنتخابات و نتائجه يعني التسليم بالجمهورية الأسلامية.

بقي لنا ان نتحدث عن نقطة وهي ان الثورة قطعت شوطها الأول حيث اعلن خامنئي عن دعمه النهائي لأحمدي نجاد وهدد الطرف الأخر، موسوي و اعوانه الذين اصبحوا في وضع محرج. فاذا طلب الاخير من الجماهير الرجوع الى بيوتهم  سيفقدون الأدعاء بأن الجماهير خلفهم، واذا دعوا الى المزيد من المظاهرات فان الحركة ستتطور اكثر واكثر ومصير الجمهورية السلامية التي يمثلون احد اجنحتها ستقترب نهايتها بسرعة. انهم في مأزق جدي.

 

تتطور الحركة الثورية بشكل لا تسمح للأنسان بالقيام بتحليل الأحداث بشكل واف، ولكن كل الأحداث تبين بأن هذا الحركة تجاوزت موسوي والأصلاحيين وتتجه بشكل قوي لأسقاط هذا النظام المجرم. ان هذه الثورة لا تجلب تغييرات عظيمة وعميقة في ايران انما تؤثر على المنطقة والعالم ككل. يرتبط تاريخ الشيوعية بتاريخ الثورة البلشفية التي انقطعت لأكثر من ثمانين عاما وترجع الشيوعية الى ميدان الصراع السياسي وعلى الصعيد العالمي، وتأثيراته على العالم العربي ومنطقة الشرق الاوسط ستبرز في اول ايامها. حينها ستزاح قوى  الأسلام الساسي من خارطتها السياسية في اول ضرباتها.

 

 لذا فان انجاح هذه الثورة ليس فقط مسؤولية الشيوعيين في ايران انما وظيفة الشيوعيين واليساريين في عموم المنطقة.