توحيد الادارتين! لا يحل المعضلات
الأساسية في كردستـــــــــــــــــان!
 

سمير نوري

 
بعد اكثر من عشرة سنين من الصراعات الدموية و تدمير المجتمع من كل النواحي وتقسيمه على اساس عشائري وحزبي وحرمان الجماهير من ابسط حقوقها من قبل القوميين الكرد، واخيرا!، اعلن الحزبان (الأتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديموقراطي الكردستاني) قبل فترة من الزمن بانهم توصلوا الى اتفاق لتوحيد الأدارتين و تشكيل حكومة موحدة.
اتى هذا الأتفاق بعد الأنتخابات للبرلمان العراقي والتغيرات التي جرت في التركيبة السياسية لنسب التمثيل وبعد موجة من الاعتراضات الجماهيرية التي اجتاحت اكثرية مدن كردستان من اجل تحقيق المطالب الجماهيرية وبسبب نقص الخدمات الأجتماعية وشحة الوقود والكهرباء.
ان الحزبين خلال حكمهم في كردستان منذ سنة 1991 لم يستطيعا حل معضلات مجتمع كردستان ولم يستجيبوا الى الحل الواقعي للقضايا المحورية ولم يأتوا باجابة على حل لمصير كردستان بل بالعكس ربطوا مصير المجتمع بالأستراتيجية الأمريكية حالهم حال كل القوى الرجعية الأخرى في العراق، أصبحوا جزءا من العملية السياسية لتفيذ المشروع الأمريكي. وصاروا جزءا من اقتلاع الدولة وكل المؤسسات الأدارية وحرمان الجماهير من ابسط الخدمات الأجماعية؛ من المدارس والمستشفيات والكهرباء وماء الشرب والوقود والمحروقات وابدال المؤسسات بحكم المليشيات الحزبية وتقسيم مناطق النفوذ وفقدان الأمن، والحرب على احتلال اوسع المناطق ومنع الحريات السياسية وقمع الجماهير والأعتراضات الجماهيرية اصبح السائدة في المجتمع على صعيد العراق.
 
عبأ الحزبان القوميان البارتي و اليكيتي ( الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) القوى الرجعية من الرأسماليين وملاك الأراضي ومرتزقة الحكومة البعثية في كردستان بوجه الحركة الثورية الراديكالية المتنامية في المجالس المتشكلة في كل المدن والقصبات لمنع أي تغيير جذري في الواقع المأساوي الذي كان تعيشه الجماهير المحرومة والمتعطشة للحرية. فرضوا طرحهم الرجعي وبرلمانهم المهزوز والمتأزم منذ ولادته بقوة السلاح والدعم السخي من الدول المجاورة كالجمهورية الأسلامية في ايران.
 
ان اساليبهم وسياساتهم الرجعية والمعادية للجماهير واعتمادهم على الدول الغربية وعلى رأسها امريكا وتبنيهم سياسة الأنتظار، احبط من عزيمة الجماهير وقتل الأمل في اذهانهم وعقولهم وابعدهم عن حلبة الصراع السياسي على عكس الحركة المجالسية التي كان يقودها الشيوعيون العماليون الذين زرعوا الأمل لبناء عالم افضل.
 
بعد فترة طويلة من الصراعات الدموية وتقسيم منطقة كردستان الى منطقتين منفصلتين عن بعضهما من كل النواحي وتحولها الى مراكز لحكمهم المليشياتي والقمعي وبعد عدة سنين من المفاوضات بينهم اعلنوا اخيرا أنهم اتفقوا على توحيد الأدارتين في السليمانية واربيل. واذا غضضنا النظر عن مدى جدية هذا الاتفاق ومدى عمقه لأنهاء هذه التقسيم المليشياتي لمنطقة كردستان، فان هناك اسئلة محورية وجدية تطرح نفسها على الطاولة مثل: ما هي الدوافع الأساسية الى عقد هكذا اتفاق؟ ماهي علاقة هذا الأتفاق بمطالب الجماهير وخاصة المطالب الفورية التي رفعت من قبل المظاهرات الأخيرة؟ وهل هذا التوحيد للأدارتين يفسح المجال لممارسة الجماهير حقها في التدخل في المصير السياسي لمنطقة كردستان؟ اذا كان الجواب بالنفي فما هو البديل لحل المعضلات الأساسية تلك ؟..الخ
 
اشرنا الى مكانة التيار القوموي الكردي في العملية السياسية في العراق الذي اخذ حيزا كبيرا في تطبيق هذه العملية الرجعية الذي حول العراق الى تطبيق البديل المثالي لطرح النظام العالمي الجديد وقائدته الولايات المتحدة الأمريكية وهو مبني على تقسيم الجماهير على اساس قومي وطائفي وديني وحتى عشائري والقيام بتنظيم انتخابات صورية وتشكيل حكومة دمى على اساس هذه التقسيمات لأعطاء الشرعية لأحتلال العراق وفرض كل السياسات الرجعية والمعادية للجماهير المسحوقة. ولا يمكن ان تبحث هذه المحاولة للتيار القوموي الكردي خارج هذه الأطر وخارج هذه الالأعيب.
 
ان القوميين الكرد ليس لهم اختيار الا التوحيد ولو بصورة شكلية امام القوميين العرب وتيار الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي لكي يتمكنوا من الحصول على اكبر حصة من السلطة في الحكومة المتشكلة بعد أنتخابات 15 كانون الأول، واذا لم يفلحوا في هذا الأمر فسوف يؤثر ذلك على علاقاتهم في عقر دارهم أي في مناطق نفوذهم وهم ادرى بهذا الأمر. ومن جانب اخر فان اعلانهم لتوحيد الأدارتين هو في احد جوانبه استهلاك داخلي وذر للرمال في عيون الجماهير في كردستان و محاولة لأسكاتهم بالوعود الكاذبة.
 
ان التيار القومي الكردي منذ وصوله الى السلطة في كردستان بعد احداث الخليج في 1991 ولحد الآن مارس ابشع الممارسات ضد الجماهير العمالية وضد النساء والكادحين ولحد اليوم تستمر هذه الممارسات وليس من مبالغة اذا قلنا بأنهم شددوا القمع ضد الجماهير وان قمع المظاهرات في مدن كلار ورانية والسليمانية وكركوك وعقرة وغيرها من المدن والقصبات في ألأشهر الماضية شاهد على كلامنا. ولحد الآن فانهم يمنعون نشاطات الشيوعيين وناشطي حقوق النساء ويقمعون كل صوت وكل من ينتقدهم حتى اذا كان هذا النقد من التيار القومي. ان اختطاف واعتقال الدكتور سيد كمال قادر هي قضية حية في الوقت الحاضر وتبين مدى معاداة التيار القومي العشائري في كردستان الى الجماهير ومطالبها ومدى معاداتها الى الحرية والحرية السياسية.
 
ان ممارستهم للأنتخابات في كردستان لم يكن يعتمد على معايير ديموقراطية ولم يقيموا أي وزن الى رأي الجماهير ولم يعودوا الى الجماهير في أي قضية مصيرية لكردستان يصدرونها وحتى لم يحترموا البرلمان الذي شكلوه بهذه الطريقة المنحطة، و جروا جيوش صدام الى كردستان وكذلك جيوش الجمهورية الاسلامية والجندرمة التركية لتصفية الصراعات فيما بينهم عندما كانت الجماهير تعاني من الجوع والحرمان، وقتلت الآف من النساء تحت شعار غسل العار والشرف وتحت انظارهم وبتشجيعهم وعدد هؤلاء القتلى يفوق ضحايا حلبجة.
 
ان حكمهم وسيطرتهم على كردستان هي ادامة لنفس السياسة والممارسات ولم يغيروا منها أي شيء بل بالعكس ازدادت رجعيتهم ومعاداتهم للجماهير وفي حالة  معادتهم لبعضهم او في هدنتهم او وصولهم الى التوحد في ادارة المنطقة فان موقفهم من الجماهير هو نفس الموقف، و في احسن الأحوال سيشكلون حكومة قومية _ دينة مع اشد القوى رجعية في كردستان، كما يلعبون نفس الدور على صعيد العراق.
 
وكما اشرنا في بداية المقال بانهم بدأوا بمعاداتهم للقوى الثورية والمجالسية وبقوة السلاح فرضوا بديلهم الرجعي. واذا كانت اداراتهم وبرلمانهم  منقسم او موحد لا يغير في محتوى سياساتهم ولا نوع السلطة الذي يمارسونها، وفي احسن الأحوال سيشكلون حكومة رجعية قومية- دينية معادية للجماهير وللتمدن والعلمانية وخاصة انهم الآن اصبحوا جزءا من الحكومة القومية-الدينية- الطائفية في العراق.
 
ان المناداة بالانتخابات البرلمانية في كردستان من قبل بعض اليساريين واشباه اليساريين تعني اما انهم لا يفهمون ان البرجوازية على الصعيد العالمي والمحلي لا بديل لها "ديموقراطي" أي الرجوع الى الجماهير وفصل الدين عن الدولة وتشكيل حكومة علمانية ومدنية تعتمد على حق المواطنة المتساوية للجميع، بل بالعكس ان بديلهم هي حكومات رجعية قومية- دينية يبررونها بالتعددية الثقافية و النسبية الثقافية الرجعيتين ويعممونها على الصعيد العالمي ليس في البلدان المعروفة بالعالم الثالث فقط، بل في مراكز التمدن في الغرب.
 
ان البديل الثوري والواقعي لبناء مجتمع مدني وعلماني في كردستان هو تشكيل حكومة مجالسية وليس برلمانية، وان البديل المجالسي بديل واقعي و ممارسات مجالس كردستان لحد اليوم حية في اذهان الجماهير الواسعة. ولكي ينجح هذا البديل ويصبح امرا واقعا يجب تقوية الشيوعية العمالية وحزبها الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. بغير تقوية اليسار والقوى الشيوعية يصبح هذه البديل حبرا على ورق، لأن تحقيق العلمانية والتمدن يقع على كاهل الأشتراكيين واصبح جزءا من النضال ألأشتراكي ولا يتحقق الأ في الجمهورية الأشتراكية.