هل يعيد التاريخ نفسه ؟!!!

 

 ورد في " بيان تأسيس مؤتمر حرية العراق " و هو أستراتيجية الحزب الشيوعي العمالي العراقي في المرحلة الحالية كبديل للدولة العراقية الحالية وتاسيس ما يسمون " دولة حرة في العراق" . نقد كارل ماركس طرح هذه الشكل من اشكال الدولة في حينه من قبل اللااساليين في كراسه المشهور " نقد برنامج غوتا" بشكل واضح و دقيق. وهنا أرى من الضروري نشر قسم من هذا الكراس المتعلق بمفهوم الدولة الحرة لفهم ادق لتصورات ماركس حول الدولة و ومدى ابتعاد رفاقنا القدامى في الحزب الشيوعي العمالي العراقي من المفهوم الماركسي للدولة .

سمير نوري

 

نقد برنامج غوتا

كارل ماركس

 

أ – "اساس حر للدولة".

اولا : وفقاً لما جاء في الفصل الثاني، يسعى الحزب الالماني الى تحقيق "الدولة الحرة".


الدولة الحرة – ولكن ما هي ؟


ان جعل الدولة حرة ليس مطلقاً هدف العمال الذين تحرروا من عقلية الخضوع والذل الضيقة المحدودة. فان "الدولة" في الامبراطورية الالمانية تكاد تكون "حرة" كما هي عليه في روسيا. ان الحرية هي في تحويل الدولة من جهاز فوق المجتمع الى جهاز خاضع بكليته لهذا المجتمع ؛ وحتى في ايامنا، تتفاوت اشكال الدولة حرية بقدر ما تحد من "حرية الدولة".


ان حزب العمال الالماني، - اذا تبنى هذا البرنامج على الاقل، - يكشف مدى النقص في استيعابه الاقكار الاشتراكية ؛ وهو، بدلا من ان يعتبر المجتمع الحالي (وهذا القول يصح بالنسبة لكل مجتمع مقبل ايضا) "اساس" الدولة الحالية (أو المجتمع المقبل اساساً للدولة المقبلة)، يعتبر الدولة، على العكس، واقعاً مستقلاً له "اسسه الروحية والاخلاقية والحرة" الخاصة.


ثم أي سوء استعمال فظ في البرنامج لكلمات "الدولة الحالية"، "المجتمع الحالي"، وكذلك أي سوء فهم، اخشن ايضاً، لتلك الدولة التي يتقدم منها بمطالبه !


ان "المجتمع الحالي"، انما هو المجتمع الرأسمالي القائم في جميع البلدان المتمدنة وقد تطهر الى هذا الحد او ذاك من عناصر القرون الوسطى وعدلته الى هذا الحد او ذاك خصائص التطور التاريخي في كل بلد من البلدان، وتطور الى هذا الحد او ذاك. اما "الدولة الحالية"، فانها، على العكس، تتغير مع الحدود. فهي في الامراطورية البروسية الالمانية غيرها في سويسرا، وهي في انجلترا غيرها في الولايات المتحدة. "فالدولة الحالية" اذن مجرد وهم من الاوهام.


ومع ذلك فان مختلف الدول في مختلف البلدان المتمدنة تتصف جميعها بطابع مشترك، رغم تنوع اشكالها، هو انها تقوم في ارض المجتمع البرجوازي الحديث، المتطور رأسمالياً الى هذا الحد او ذاك. ولذا فانها تشترك ببعض الصفات الجوهرية. وبهذا المعنى يمكن الحديث عن "الدولة الحالية" خلافا لدولة المستقبل حيث يزول المجتمع البرجوازي الذي تنبثق منه الآن.


ثم يوضع السؤال التالي : أي تحول يطرأ على الدولة في المجتمع الشيوعي ظ وبتعبير آخر : اية وظائف اجتماعية مماثلة للوظائف الحالية للدولة تظل قائمة في المجتمع الشيوعي ؟ العلم وحده يستطيع الجواب عن هذا السؤال ؛ ولن ندفع القضية الى امام قيد شعرة ولو قرنا بالف طريقة كلمة "الشعب" بكلمة "الدولة".


بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي، تقع مرحلة تحول المجتمع الرأسمالي تحولا ثورياً الى المجتمع الشيوعي. وتناسبها مرحلة انتقال سياسي لا يمكن ان تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.


ولكن البرنامج لا يعالج قضية هذه الديكتاتورية ولا طبيعة الدولة المقبلة في المجتمع الشيوعي.

ان مطالب البرنامج السياسية لا تنطوي على غير الترداد الديموقراطي الذي يعرفه الجميع : الحق الانتخابي العام، التشريع المباشر، حقوق الشعب، تسليح الشعب، الخ.. وهي مجرد صدى لحزب الشعب البرجوازي، لعصبة السلام والحرية. وهذه كلها مطالب قد تحققت، بقدر ما لم يبالغ بها لحد الغرابة. الا ان الدولة التي حققتها لا تقوم في داخل حدود الامبراطورية الالمانية، بل في سويسرا، والولايات المتحدة، الخ.. ان هذا النوع من "دولة المستقبل"، انما هو دولة حالية، رغم انها تقوم خارج "نطاق" الامبراطورية الالمانية.

ولكنهم نسوا امراً واحداً. فيما ان حزب العمال الالماني يعلن بصراحة ووضوح انه يعمل في داخل "الدولة القومية الحالية" وبالتالي في داخل دولته الخاصة، الامبراطورية البروسية-الالمانية – وإلاكانت مطالبه، بمعظمها، خرقاء، اذ لا يطالب المرء الا بما هو ليس بحاصل عليه – لذن، كان عليه الا ينسى النقطة الرئيسية التالية، وهي ان جميع هذه الاشياء الجميلة تفترض الاعتراف بما يسمى سيادة الشعب، وانها لا تجد مكانها بالتالي الا في جمهورية ديموقراطية.


وبما انه لم يكن ليديهم الشجاعة الكافية – وحسنا فعلوا، لان الوضع يتطلب الحذر – للمطالبة بالجمهورية الديموقراطية كما فعل العمال الفرنسيون في برلمجهم في عهد لويس فيليب ولويس نابوليون، فقد كان عليهم اذ ذاك ايضاً ألا يلجؤوا الى هذه الحيلة، التي ليست "شريفة" ولا لائقة، أي الى المطالبة باشياء لا معنى لها الا في جمهورية ديموقراطية، وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين باشكال برلمانية، متسم بمجيز من العناصر الاقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للثأثيرات البرجوازية. وكان عليهم علاوة على ذلك الاّ يُقنعوا مثل هذه الدولة، بكل مهابة ورصانة، بأنهم يأملون الحصول منها على شيء مماثل "بوسائل شرعية" !

بل ان الديموقراطية المبتذلة، التي ترى فردوسها الارضي في الجمهورية الديموقراطية والتي لا تظن ان النضال الطبقي يجب ان يجد حلا له بقوة السلاح في ظل هذا الشكل الاخير للدولة في المجتمع البرجوازي، حتى هذه الديموقراطية بالذات اعلى بكثير من هذا الضرب من الديموقراطية المحصورة في نطاق ما يسمح به البوليس وما يحرمه المنطق.


فقد كان عليهم اذ ذاك ايضاً ألا يلجؤوا الى هذه الحيلة، التي ليست "شريفة" ولا لائقة، أي الى المطالبة باشياء لا معنى لها الا في جمهورية ديموقراطية، وذلك من دولة ليست سوى استبداد عسكري، مصنوع بطريقة بيروقراطية ومحافظ عليه بطريقة بوليسية، مزين باشكال برلمانية، متسم بمجيز من العناصر الاقطاعية، وخاضع في الوقت نفسه للثأثيرات البرجوازية. وكان عليهم علاوة على ذلك الاّ يُقنعوا مثل هذه الدولة، بكل مهابة ورصانة، بأنهم يأملون الحصول منها على شيء مماثل "بوسائل شرعية" !


بل ان الديموقراطية المبتذلة، التي ترى فردوسها الارضي في الجمهورية الديموقراطية والتي لا تظن ان النضال الطبقي يجب ان يجد حلا له بقوة السلاح في ظل هذا الشكل الاخير للدولة في المجتمع البرجوازي، حتى هذه الديموقراطية بالذات اعلى بكثير من هذا الضرب من الديموقراطية المحصورة في نطاق ما يسمح به البوليس وما يحرمه المنطق.


وبالفعل، سواء كان القصد من كلمة "الدولة" الآلة الحكومية ام الدولة بوصفها تشكل، بسبب تقسيم العمل، جهازاً خاصاً، منفصلاً عن المجتمع، فان ذلك واضح من الكلمات التالية : "ان حزب العمال الالماني يطالب بان يكون اساس الدولة الاقتصادي ضريبة موحدة تصاعدية على الدخل"، الخ.. فالضرائب هي الاساس الاقتصادي للآلة الحكومية، ولا أي شيء آخر. وهذا المطلب يكاد يكون محققاً في "دولة المستقبل" القائمة في سويسرا. فان ضريبة الدخل تفترض موارد للدخل تختلف باختلاف الطبقات الاجتماعية، أي انها تفترض بالتالي المجتمع الرأسمالي. فلا عجب اذن اذا كان دعاة الاصلاح المالي في ليفربول
Financial Reformer de Liverpool – وهم جماعة من البرجوازيين على رأسهم اخو غلادستون – قد صارعوا نفس المطالب التي وردت في البرنامج.