مرةً اخرى يربط مصير جماهير كردستان بأكثر عواصم العالم دموية !!

 

سمير نوري

بموجب تقرير مركز مراقبة حقوق الانسان والحربات القانونية (MRFC ) لسنة 2010 فقد سمت بغداد بأكثر عواصم العالم دموية". فإذا كان ذلك التقرير بالنسبة لسكان العالم لازال يعتبر مصدرا" للمعلومات ولاطلاع سكان العالم على أوضاع وظروف العراق، فإنها بالنسبة لجماهير العراق وكردستان لا يضيف أي شيء جديد إلى معلوماتهم لأنهم يبتلون يوميا" بالقتل والإرهاب وقطع الرؤوس والأعدام وقتل النساء والاختطاف والتخويف، ولذلك فإن مدينة بغداد هي من أكثر أماكن العالم خطورة"، حيث أنه لحد الآن لا يستطيع المواطنون المطرودون من العودة إلى بيوتهم وأماكنهم.

 

في الحقيقة إن اختيارنا لهذا الموضوع لم يكن لغرض اعطاء معلومات أكثر حول دموية وخطورة هذه المدينة، بل فقط استخدمناها كمناسبة للحديث عن الأوضاع السياسية في العراق وصراعاتها السياسية مثل: أزمة الحكومة العراقية، القوموية العربية والإسلام السياسي، امريكا وإيران، القوموية الكردية، مصير جماهير كردستان.

 

لقد تنبأنا قبل الانتخابات العراقية بعدة أشهر على أن الأنتخابات، ليس فقط لا تعالج أوضاع العراق، بل يعرض حتى ذلك الشكل من الحكومة التي أوجدت في ذلك الحين لأنعطافة خطيرة ويمررها في عملية وكأن تشكيل حكومة مهزوزة وضعيفة ومعها نموذج حكومة المالكي سيقربها ايضا الى المستحيل وذلك على عكس القوى البرجوازية وحتى جزء من اليسار وبعض من الذين يسمون أنفسهم بالشيوعية العمالية الذين كانوا يرون فيها على أنها عملية تطبيع وتخدم المجتمع العراقي تخرجه من هذه الأوضاع المأساوية وتوصل جماهير العراق إلى حالة اخرى من النزاعات في إطار مجتمع طبيعي.  قلنا في حينه بأن ذلك وهم وكانت قراءتنا للأوضاع على عكس ذلك، وقلنا بأن الأنتخابات هي مهزلة والمشاركة فيها يعني الوقوع في المستنقع. وقد أثبت طروحاتنا بهذا الصدد أكثر من مرة صحتها وواقعيتها.

 

في ظل الأوضاع الحالية للعراق والذي أصبح في احدى الجوانب ميدانا" لحسم المنازعات بين امريكا وإيران، والقاعدة، ومن جهة اخرى للحركات السياسية البرجوازية في العراق ومليشياتها التي تقوم بتضييق الخناق على الجماهير ليسدوا الطريق أمام كل تغيير أو تحسن من شأنه أن يقلل من نفوذهم وسلطتهم، حيث لازال العر اق خاضعا" لتأثير النزاعات الدولية والأقليمية، وفي نفس الوقت يلعب الكثير من العوامل على بقاء أوضاع العراق معلقا".

إن الفشل السياسي لامريكا والنظام العالمي الجديد والبوشيزم في العراق وصعود اوباما للسلطة وانسحاب القوات العسكرية من العراق والتي تم إقرارها قبل الأنتخابات، قد دفعت اليوم يالمنازعات إلى مرحلة اخرى، وخصوصا" فيما يتعلق بتقوية النزاع بين امريكا والإسلام السياسي بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا بدوره أوصل المنازعات السياسية في العراق إلى مرحلة حبلى بالمخاطر، وإلى احتمال عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في أعوام 2006 ـ 2007 يشكل خطرا" واقعيا" ويمكن ملاحظة دلالاتها من الآن. وحيث إن الهجمة على كنيسة سيدة النجاة واغراق المواطنين، الذين كانوا فيها يؤدون شعائرهم الدينية، في الدماء، وتفجير أكثر من عشر سيارات في بغداد، والهجمة على المساجد والحسينيات واندفاع كل ليقتل اعدائه، وتصاعد الإرهاب السياسي، كل ذلك مؤشرات لعجز الرجوازية عن معالجة أوضاع العراق.

أزمة الحكومة التي يتحدث عنها الإعلام على انها قد وصلت إلى الأنفراج، إلا أنه وبموجب تصريحات القوى البرجوازية في العراق أي " المكونات العراقية الثلاث " الكرد والشيعة والسنة، قد اتفقوا على تقسيم السلطة، ولذلك فإنه، ليس فقط، لم يحصل في الأنتخابات أي تغيير، بل يعني أن نفس والوجوه والشخصيات قد بقيت في أماكنها حتى دورة اخرى وتصلبت قبضة القادة المذهبيين والقوميين والطائفيين بغية اخناق الجماهير.

إن التصويت والأنتخابات و" الديمقراطية " كلها انفجرت مثل فقاعات الهواء ولم تولد لجماهير العراق وكردستان غير الرجعية واضفاء الشرعية على الهوية القومية والدينية والطائفية. وعلى الرغم من أن الجميع قد أصموا آذان العالم بزعيقهم حول الوطنية ونبذهم للطائفية والتعصب القومي والديني ولكنه في نفس الوقت أتفق الجميع، عن طريق التهديد بالانسحاب الطائفي والقومي وتفجير الأوضاع، على تقسيم السلطة. وليس فقط المواطنة المتساوية لم تكن موجودة في جعبة اي منهم، بل أنه حتى أتفاقهم الحالي على تشكيل حكومة ترافقها احتمال تفجير الوضع في كل لحظة والكل قد وضع من الآن أصابعه على الزناد.

إن القوموية العربية المتحالفة مع القوى الإسلامية السنية والتي كانت بعد سقوط الحكومة البعثية وحتى فترة معينة تحت الضغط قد جلبت مرة" اخرى قواها إلى الميدان ودخلت الصراع، حول المنازعات السياسية في العراق أمام القوى الاخرى وخصوصا" الإسلام السياسي الشيعي والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ضمن إطار نزاع، امريكا وإيران، أو بالأحرى النزاع ما بين قطبي الإسلام السياسي وامريكا والغرب ودخلوا في نزاع حاد مع القوى الاخرى بعد أن وضعوا أنفسهم في كفة ميزان امريكا أثناء لعبة الوصول إلى السلطة وبطبيعة الحال بدعم من بعض البلدان العربية مثل السعودية. وإنهم على ثقة بأن امريكا من خلال معاداتها للإسلام السياسي قد منحتهم موقع أكثر أهمية ولكنهم لم يلاحظوا بان امريكا وخصوصا" أوباما قد بدأوا مع الإسلام السياسي الحوار والتقارب، وإن ميشيل أوباما لبست الحجاب وأعلنوا بأنهم يحترمون رمز الإسلام السياسي ولا يستائون من الحكومة الإسلامية في العراق شرط أن لا تكون ضد امريكا، ولا يهم بعدها لو قطعوا رؤوس كل جماهير العراق وخصوصا" النساء.

ولكن القوموية العربية قد بدأت مرحلة جديدة ليس في العراق فقط، بل في فلسطين ولبنان وكل المنطقة أيضا"، وقد دخلوا في صراع جدي مع الإسلام السياسي وخصوصا" الإسلام السياسي الخاضع لقيادة إيران وبهذا الصدد فإن حركة " فتح " قد شنت هجمة علنية على إيران لتدخلها في النزاع الداخلي الفلسطيني، والتي لم تكن في العقد المنصرم تمارس هذا التوجه. ولكن التدخل الإيراني المباشر في أوضاع العراق أنهت النزاع لصالح القوة الشيعية بشكل تغير طفيف وباغراء علاوي تم اسكات اعتراضاتهم أيضا". ولكن هذا النزاع سوف لن يتوقف فقط عند هذا الحد، بل ستبرز في كل منعطف سيهز المجتمع من جرائه، وإن اتفاق المكونات الثلاثة القومية والطائفية تم بشكل لم يتمكن فيها أي طرف من إزاحة الآخرين عن طريقه وبهذه الصورة ستولد الحكومة مشوهة.

إن القوموية الكردية التي تتعرض منذ مدة للضغط الامريكي والتي أصبح موقعها ونفوذها الذي اكتسبته في عقد تسعينيات القرن الماضي وحرب الخليج الثانية ضد العراق، مهزوزا" ، إلا أنهم بعد حصولهم على مسؤولية رئاسة الجمهورية التي يتباهون بها والتي يلمحون بها على أنهم قد حققوا شيئا" للكرد في بغداد على أثر الاستفادة من من المنازعات فيما بين القوميين العرب والإسلام السياسي التابع لإيران في الحقيقة ساعدهم لابقاء ثقلهم إلى حد ما كالسايق حتى مرحلة اخرى، وهذا ما دفعهم ليصافحوا وعانقوا مرة" اخرى أعتى أعداء جماهير كردستان وبدأوا برفقتهم تقسيم كعكة السلطة فيما بينهم.

بذلك وضعوا جماهير كردستان مرة" اخرى في دوامة التناحرات الطائفية والقومية وحتى مرحلة اخرى ظفروا في فرض التعصب القومي وسموم النزعة القومية على الجماهير وتمكنوا من جعل التخندق القومي أمام الأجزاء الاخرى لجماهير العراق غطاء" لسرقة ونهب ثروات المجتمع واسكات الجماهير المعترضة على سلطتهم في كردستان.

 

لا يوجد لجماهير كردستان أية مصلحة بربطهم ببغداد الدامية ويمكن لكردستان أن تصبح بلد مستقل وعصري ومتمدن وغير قومي وغير ديني، وأن يبقى بعيدا" عن احتمالات اندلاع الحروب والتناحرات والعداء بين القوى البرجوازية في الأماكن الاخرى من العراق.

 

ولكن القوموية الكردية وأحزابها المتنوعة ومن ضمنهم تلك الأحزاب الذين ركبوا موجة الرغبات الجماهيرية بذريعة التغيير الجذري في كردستان، كما يدعون، جعلوا المصالح العمومية لكل جماهير كردستان ضحية" لمشاركتهم في السلطة وعليه فمرة" اخرى ربطوا كردستان بأكثر عواصم العالم دموية".


نحن نكرر مرة" اخرى بأن نزاع جماهير كردستان والتعصب القوميين سوف لن ينتهيان في إطار دولة قومية ودينية وطائفية. وطالما لم تصعد حكومة علمانية وغير قومية وغير دينية إلى السلطة ستسحق الرؤوس في قلب بغداد بشكل يومي بسبب انتمائه الديني والقومي والطائفي، وحقا" أنها أكذوبة كبير أن يدعي أحدا" بأن جماهير كردستان بامكانه أن يعيش في إطار العراق الحالي.

 

وإذا ما تمكنت الشيوعية العمالية من الظفر بالسلطة فإن أول ما ستفعله ستلغي الهوية القومية والدينية وستعيد الهوية الإنسانية مرة" اخرى لكل المواطنين وستمسح كل الآثار القومية والدينية، ولكن مع كل الأسف فلازالت الطبقة العاملة والشيوعية العمالية لم تصبح بعد قوة" اجتماعية في العراق لتزين هذا الأفق، ولذلك فإن الحل الثالث فقط بامكانه أن ينهي جرح الاستغلال والظلم القومي والتعصب والتخندق القومي، الذي يتمثل بانفصال كردستان وتشكيل الدولة المستقلة، وليس بربط كردستان بأخطر عواصم العالم وأكثرها دموية".