ثورة تونس منعطف لبداية مرحلة جديدة من الثورات!

سمير نوري

 

قبل خمسة عشرة سنة تقريبا اعلن منصور حكمت  في بحثه " نهاية مرحلة" بأنه انتهى مرحلة الحملة الوحشية و الشرسة ضد الشيوعية و بدأ المجتمع يرجع الى الأهداف الأنسانية للشيوعية واعتبره نهاية المرحلة. لكن اليوم بأمكاننا ان نعلن بدأ الثورات، ان الثورة التونسية استطاع ان يبين للعالم و المنطقة بان القيام بالثورة ممكنة و ضرورية ليس فقط هذا و انما اثبتت امكانية انتصار الثورات و ليس بطرق سلمية و الاعنف بل باستعمال العنف الثوري و الجماهيري و مرة اخرى انبعث الروحية الثورية في  عروق الثوريىن و الطبقة العاملة و التحررين.  اذا اردنا ان نتحدث عن مكتسبات الثورة التونسية لحد اليوم بامكاننا ان نقول اول مكسب لهذه الثورة هي ارجاع الثوروية و الثورات الى اذهانالجماهير في العالم.

اننا خلال قرابة ثلاثة عقود مضى، شاهدنا كثيرا من التغيرات على العالم و الحروب و ألاقتتال و تغير الحكومات و لكن  منذ الثورة ألايرانية و خلال ثلاثة عقود مضت لم نشاهد ثورة جماهيرية عارمة تستطيع ان تسقط احد الدكتاتوريات البرجوازية التي حكمت شعب بالحديد و القمع و تنهار بلمحة بصر امام الهجمة الجماهيرية و اجبرت البرجوازية العالمية بالأعتراف بها ولكن لتحريفه يستعملون مصطلح ثورة "الياسمين" لكي يعرفونها في اطار تغيرات السلطة بين الاطراف البرجوازية بدون المس بالنظام الراسمالي و اجهزته المتعددة. ان تحويل العالم الى بؤرات الحرب و التصفية الجماعية ألاثنية و الطائفية كان من صفات المرحلة السابقة من راوندا الى العراق و الى اليوغسلافيا و الى افغانستان و غيرها من المناطق كان من نتائج النظام العالمي  الجديد.  

هناك الكثيرون يقولون ان الثورة ما كان متوقعا و يتحدثون عنها بانها ظاهرة عابرة او عفوية او حدثت بانه نتيجة للغضب التي احدثه انتحار الشاب  محمد  بو العزيزي، و برأى  بخلاف ذالك الثورة كان متوقعا حد الأقل بالنسبة للبرجوازية العالمية، و انهم كانوا يعرفون ان الأزمة التي خلقوها و الفقر و الحرمان و البطالة التي فرضوها على البشرية سوف ينتج رد فعل قوي و لهذا في اول ايام الأزمة كانوا يتحثون عن انتفاضة الجياع. ان ازمة البرجوازية من الناحية الأقتصادية الموديلي البرجوازية رأسمال الدولة و اقتصاد السوق الحرة و الأزمة الأيديولوجية و السياسية بالتأكيد ساعد و سوف يساعد على احداث الثورات و ليس فقط في تونس.

ان الثورة التونسية لا يمكن اعتباره فقط ثورة محلية انها ثورة في مستوى اوسع و تأثراته بالتأكيد يكون على الصعيد المنطقة و خاصة البلدان العربية و كما نرى الآن كيف ان الأعتراضات و التظاهرات بدأت في كل والبلدان العربية، الجزائير و مصر و يمن و اردن و غيرها من البلدان ان ابعاد الثورة لا يمكن تصوره،  ان الثورة التونسية اول تأثراتها تبين على وجوه الحكومات الدكتاتورية الرجعية الأسلامية القومية، و في جبهة  الجماهير خلق اجواءا ثورية و روحية و مزاج ثوري.

ان البرجوازية المحلية و العالمية تخطط بكل امكانتاها ان تجهض الثورة و يقلل من اهميته و اعطائه صورة مشوهة و في الخطوة الأولى تريد ان تبقي النظام القديم النظام الذي طرده الجماهير من الباب يردون ارجاعه من الشباك، و شكلوا الحكومة الائتلافية من الرموز السابقة للنظام الدكتاتوري و بمشاركة بعض القوى و الأحزاب المتخاذالة و الذيلية للنظام القديم و لكن في اول ايماها واجهت الاعتراضات الجماهيرية و الواسعة و ان اسقاط هذا الحكومة اصبح قاب قوسين او ادناها ، و هاجمت الجماهير الثورية  مقرات الحزب الحاكم و يريد حل ذالك الحزب و ليس فقط هذا حتى في الأحزاب الأخرى ان قياداتهم وقعوا تحت ضغوطات قاعدتهم لطرد المتوطئين مع حكومة بن علي. ان شعار اسقاط الدكتاتورية كليا و كنس بقاياها و حل الحزب الحاكم و اعتقال مسؤوليى الحكومة و الوزارات و مسؤولي ذالك الحزب و محاكماتهم اصبح شعار كل الجماهير المنتفضة و يشكل جزئا مهما من تطوير الثورة و عدم اعطاء الفرصة للبرجوازية للم قواها المنهارة و ارجاع سلتطها و اسكات الجماهير و ارجاعهم الى بيوتهم و بتغيرات سطحية و بسيطة. ان كنس النظام القديم لا يشمل فقط الحكومة و الوزراء و المسؤولين و حل الحزب الحاكم بل تشمل كل المؤسسات القمعية من الأمن والشرطة و الجيش و القوى القمعية للبرجوازية بمعنى اشمل تدمير مؤسسة الدولة البرجوازية  و بناء دولة ثورية مبني على تطلعات الثورة الحالية وان ارقى اشكال الدولة هي الدولة المجالسية في الوقت الحالي التي طرحه الثورات الجماهيرية العالمية من قبل، كثورة اكتوبر الأشتراكية و كومونة باريس.

ان فرض الحريات السياسية و اطلاق سراح السجناء السياسيين و رفع منع نشاط الأحزاب السياسية و فرض حرية الاضراب و التظاهر و التجمع و التحزب و اصدار المنشورات و الطبع و حرية البيان و التعبير و العقيدة  يشكل جزئا اساسيا من اهداف الثورة ، ان البرجوازية و تحت ضربات الثورة اجبر على اللاعلان عن بعض هذه الحريات و لكن لا يزال هذه الأهداف لم تحقق و خاصة لا يزال القوى القمعية و الدكتاتورية في السلطة و لا يزال الشرطة و الجيش يحاصرون الأعتصامات و التظاهرات و يهددونم و يطلقون النار على الجماهير لتخوفهم، كما نرى كيف يطوقون المعتصمون في شارع بورقيبة في الوقت الحاضر.

الثورة التونسية بدأت بمطلب الحرية و الخبز بمعناه الشامل و بدأت بالأعتراضات ضد البطالة و الفقر و الحرمان و التي يعاني منها الجماهير المليونية في البلدان العربية، و لا يزال البرجوازية لم يقم بأي خطوة في تقديم اي حلول فورية لحل الفقر و قضية رفاه الجماهير. ان ضمان البطالة و زيادة الأجور و دفع الضمانات الأجتماعية و الصحية و بنائا على المعاير العالمية في هذه العصر يشكل جزئا لا يتجزء من الثورة، و بالعكس تقوم بزيادة  النفقات و الميزانية الضغمة على تعيىن قوى الشرطة و بالألاف، ان واجب الثورة الوقوف بوجه هذه الأجرائات و تقوم بمصادرة الممتلكات المنهوبة و المسروقة من قبل بن عل  ي و افراد عائلته و مسؤليه و وزرائه و تسخيره لضماد جراح الفقر المدقع للجماهير فورا. و الغاء كل القوى القمعية و السجون و المصاريف التي يثقل كاهل الأنسان الكادح التونسي و تصرف الميزانية التي مخصص في هذه المجالات لاعانة الجماهير و توفير الرفاه.

ان المحطة الأولى للثورة كان اسقاط الدكتاتور و لا يزال كنس بقاية النظام الدكتاتوري يشكل المسألة المحورية، و لكن بناء نظام جديد ثوري ينبثق من الثورة لا يزال غير واضح المعالم و بغض النظر للوجود بعض المحاولات و الأبتكارات بتشكيل بعض اللجان المحلية و المجالس لحماية الجماهير من العصابات المسلحة، لكن لا يزال لا يوجد تصور لبناء مؤسسة لممارسة سلطة الجماهير او سلطة الثورة و بدون وضوح رؤيا و خطوات عملية في هذا الأتجاه الثورة تتراوح في المحطة الأولي و يكون اسيرا للرجوازية المخادعة وبدائلها كالبرلمان و الحكومة الديموقراطية و الحكومة الوحدة الوطنية او الحكومة الأئتلاف. ان المجالس تشكل على اساس سلطة الجماهير ومداخلته المباشرة و اليومية في المصير السياسي للبلد. لهذا تأسيس المجالس في اماكن العمل و العيش و المدن و القصبات و القراى لممارسة السلطة يشكل مسألة حياتية لتطوير الثورة و انجاحها و عدم انحسارها  في المحطة الأولى، وتجارب الثورات التي حدث في التاريخ الحديث يبين مدى اهمية بناء مؤسسات سلطة الجماهير،اي المجالس ليس فقط لتقديم بعض الخدمات والمحاظة على امن المواطنين و انما للمارسة سلتطهم الواقعية.

ان الثورة التونسية مهددة من عدة جوانب من قبل البرجوازية المحلية و العالمية و اشرنا الى ارجاع قوى النظام القديم و لكن ايضا هناك القوى الاسلامية يريدون تحريف مسار الثورة و بمساعدة الغرب وبعض الدول الأسلامية في المنطقة، كما فعلوا بثورة ايران و التي قرروا اعطاء زمام الأمور لخميني في مؤتمر كوادلوب في الثورة الأيرانية للحيلولة دون مجيء الطبقة العاملة و اليساريين و المجالس الى السلطة و نجحوا في غايتهم هذه و الآن و بعد ثلاثة عقود لا يزال جماهير ايران تعاني من الظلم و الأستبداد على ايدي الجمهورية الأسلامية، ان الوعي الجماهيري في هذا المجال ضروري جدا و ان فصل الدين عن الدولة و التربية و التعليم و الغاء الوزارات الدينية وتحويل الدين الى مسألة شخصية تعتبر اساس بناء دولة عصرية متمدنة، و يقطع الطريق امام مجيء الأسلام السياسي وخاصة هناك حتى في اوساط اليسار توهم بمعاداة الأسلاميين للامبريالية و يعطيهم الثقة و الفرصة لكي يركبوا على موجات الأعتراضات الثورية الجماهيرية.

ان الثورة التونسية لم يأتي من السماء ولا في يوم مشمس و مريح و لم يكن حدثا احد لم يكن يمرَ بباله، و اذا تسأل الثوريين في تونس و خاصة قادة العمال في الحوض المنجمي و الشيوعيين يجاوبونك بانه ثمرة نضال من جانب و من جانب اخر ان الثورة كان رد فعلا قويا من بقعة من البقع المنطقة التي تسمى"العالم العربي" التي تعاني فيها الجماهير من القمع و الأستبداد و القوانين الرجعية –ألأسلامية و بوجود الفقر و الحرمان و البطالة و الحكومات الفاسدة و الغير مبالية بوضع الجماهير، و لهذا كان الوضع يحتاج الى فتيل و خاصة بعد ازمة النظام الراسمال العالمي اقتصاديا و ايدولوجيا و بعد انتهاء تاثيرات" عاصفة الصحراء" السيء الصيت الدموية على اذهان الجماهير، وانتهاء ثقل ادعائات الكاذبة للديموقراطية و الصلح و " موت الشيوعية". ان الثورة كانت و لا يزال متمحورة حول مسالة الخبز و الحرية  و لا يزال شعار الحرية تدوي في ساحات و شوارع تونس العاصمة و المدن الأخرى، ان الثورة يجب ادامتها لتحقيق اهدافها الساسية و الأقتصادية.

ان اهداف الثورة اعمق من اصلاحات طفيفة و انية، ان الخبز"الرفاه" و الحرية ليس بمعناه الحرية السياسية فقط انما بمعناه الواسع اي التحررمن الظلم الأقتصادي و الأجتماعي والسياسي غير ممكن في ظل النظام الرأسمالي، هذا يتطلب تعميق الثورة و ضمان صيرورتها و ازدياد راديكاليتها و عدم التوقف في محطة معينة و انما يجب تحويل الثورة الى ثورة اجتماعية لتحقيق كل اهدافها و هذا  بدورها يتطلب الاستقطابات الطبقية و قيادة طبقية للطبقة العاملة وصف طليعي من الشيوعيين افاقهم واضحة لهذا الثورة و يتحزبون في حزب سياسي ثوري، بدون قيادة شيوعية عمالية و مسلحة ببرنامج سياسي و اقتصادي لنزع السلطة الساسية و الأقتصادية للبرجوازية يبقى الثورة امام اخطار تحريفها في كل لحظة من لحظات تطورها.

اننا نعلن استعدادنا الكامل للوقوف الى جانب الثورة التونسية و نرى من واجبنا و واجب كل انسان ثوري و شيوعي ان يتضامن مع الثورة لانجاحه و انتصاره وايصاله الى النهاية.