سمير نوري عضو المكتب السياسي للحزب في لقاء مع نحو الاشتراكية حول التدهور الامني

 

كل القوى البرجوازية في العراق مشاركة في تردي الأوضاع

 

نحو الاشتراكية: تصاعدت حدة الانفجارات واعمال الارهاب وقتل المدنيين في بغداد والموصل مؤخرا وبدرجة غير مسبوقة. ما هو برأيك اسباب تفاقم الوضع الامني ؟ وهل ترى ان له علاقة ما بانسحاب القوات الامريكية من المدن او بما يسمى الانتخابات ؟

 

سمير نوري: قلنا في السابق وفي بيانات وقرارات الحزب وخاصة قرار  البلنوم  الرابع الذي عقد في نيسان 2009 بأن الوضع الأمني هش وانه لا يبشر بخير.  السبب ببساطة ان مشكلة الدولة لم تحل. فبعد اقتلاع الدولة العراقية بعد الهجوم الأمريكي في 2003  لا يزال تشكيل الدولة يشكل محور كل القضايا  في العراق. الدولة الحالية بغض النظر عن انها مشكلة من قبل امريكا اي دولة مصنوعة من قبل قوة خارجية لكن المسألة ليس في انها من صنع خارجي او داخلي انما في عدم تشكيلها وهي الان تشكيلة من ميليشيات متنازعة، كل المؤسسات الموجودة منقسمة بين القوى الميليشياتية القومية - الدينية  والطائفية وان موالاتهم ليس للدولة انما للميليشيات. العالم يشهد على هذا الواقع في عدة مناسبات وصراعات و منعطفات، ولا يزال هذا الواقع يلقي بظلاله على حياة الجماهير.

سمينا هذه الاوضاع السيناريو الأسود ولا تزال افاق نهاية هذا السيناريو  الماساوي لجماهير العراق غير واضحة ويبرز بين تارة واخرى عامل يغير من توازن القوى السياسية فاتحا المجال لأنفجار الوضع مرة اخرى. الأنتخابات المزمعة اجرائها بداية 2010 لا تزال بعيدة وربط الأحداث بها وتأثيرها على انفجار الوضع بعيد رغم انها تشكل نقطة معينة من الصراعات والتشنجات بين القوى السياسية المسلحة في العراق. ان انسحاب امريكا من العراق واعلان انهاء الحرب  خلال الفترة المحددة واليوم خروجها من المدن كخطوة اولى، تشكل نقطة محورية في تفسير انفجار الوضع مرة اخرى. من جانب تشكل خللا عسكريا في الصراع الدموي بين الموالين لامريكا والقوات المحتلة والقوى المعادية لهم من القاعدة والقوميين العرب من بقايا البعث وفي جانب اخر فهي تدل على حدوث تغير سياسي في المنطقة وخاصة في العراق. لذا فان القوى المعادية لامريكا تريد ان تستغل هذا الواقع لصالحها، وترسل بلاغا بانهم لا يزالوا يتمتعون بقوة كافية لتدمير الوضع وان حكومة المالكي غير قادرة على ايقافهم. لذا   استهدفوا الوزارات الرئيسية اي المالية والخارجية والمنطقة الخضراء، بغض النظر عن ادعاءات المالكي بانها "تافهة".

 

نحو الاشتراكية: هناك حديث عن ان التفجيرات من فعل الجمهورية الاسلامية وفيلق القدس تحديدا وهناك من يلمح الى قوى داخل الاسلام السياسي الشيعي ومنهم المجلس الاسلامي الاعلى وخاصة بعد تشديد الضغط عليه من قبل حكومة المالكي واتهامه بالضلوع بسرقة البنوك وارتكاب الجرائم ؟من هي برايكم القوى التي تقوم بهذه الاعمال؟

 

سمير نوري: أعلن تنظيم "دولة العراق الإسلامية" مسؤليته عن ضرب عدة اهداف داخل العراق في بيان الأسبوع الماضي. ومن جانب اخر عرضت الحكومة العراقية شريط فيديو لاعترافات أفراد اعتقلوا من قبل القوات العراقية توضح بانهم نفذوا الانفجارات بتوجيه مباشر من محمد يونس الأحمد وسطام فرحان من مسؤولي حزب البعث المقيمين في سوريا، حيث طالبت الحكومة العراقية بتسليم قيادات حزب البعث وعلى اثرها استدعت الحكومة العراقية سفيرها في سوريا في حين ردت سوريا بالمثل. كما دعى وزير الخارجية هوشيار زيباري الى تشكيل محاكمة دولية حول الموضوع. وفي جانب اخر هناك التشنجات بين القوى السياسية الأخرى من المشاركين في الحكومة حول سرقة البنوك دفعت الأوضاع الى الأسوء. فالمواطنون يتهمون القوات العسكرية والشرطة بالسلب  والنهب. وبالتأكيد فان ايران لاعب اساسي في اوضاع العراق وخلال السنوات الماضية لم تكن ايران مجرد جارة للعراق بل احد اكثر الاطراف تاثيرا وبشكل مباشر على مجريات الأحداث ودورها لا يزال مستمراً. كل القوى البرجوازية في العراق مشاركة في تردي الأوضاع وتفجيره امنيا واقتصاديا؛ من القوميين العرب والكرد وقوى الأسلام السياسي سواء  المواليين لايران  او المعارضين لامريكا كالقاعدة ودولة العراق الأسلامية. ان الوضع معقد ولا يمكنك في هكذا اوضاع ان تشير الى طرف معين في حادث معين. أن القوى البرجوازية لا يهمها مصير الجماهير والذين اتوا الى الحكم على متن الدبابات الامريكية وصعدوا الى الحكم دوسا على جماجم الأبرياء والذين يريدون ان ينتزعوا منهم السلطة ايضا، يقومون ب“صولاتهم“ ويخوضون بدماء الناس التي سفكوها بتفجيراتهم وتدميرهم. الطرفان لهما نفس الموقف من حياة وامان الجماهير.  

 

نحو الاشتراكية: تشكل قبل ايام تحالف جديد للاسلام السياسي الشيعي. ويبدو ان القوى الاسلامية في مأزق وان البحث عن تحالفات غالبا ما يشير الى حالة من العجز داخل صفوفها منفردة. ما هو برايك سبب عدم انظمام المالكي الى الائتلاف الوطني العراقي والذي جمع فيه مقتدى الصدر واحمد الجلبي ؟؟

 

سمير نوري: ان تشكيل ائتلافات جديدة في اوضاع الأنتخابات ليست مسألة غريبة خاصة بعد ست سنوات من الأوضاع الكارثية في العراق و مرور المجتمع بانعطافات كثيرة وتغير توازن القوى السياسية وخاصة ”انتخابات مجالس المحافظات“ التي بينت تراجع المجلس الاسلامي الأعلى و مقتدى الصدر ”جيش المهدي“ وتقدم قائمة المالكي عليهم في اغلب محافظات الجنوب وبغداد. ان تقسيم القوى الشيعية ضمن تحالفات معينة شيء واضح وخاصة بعد الصراعات والأنقسامات التي حصلت في الجمهورية الأسلامية في ايران. هنالك عوامل تؤثر على الواقع في العراق مباشرة وتسهم في اعادة تشكيل التحالفات ومنها؛ تغير السياسة الأمركية في العراق واعلان الجلوس على طاولة المفاوضات مع قوى الأسلام السياسي و تخفيف الاخير لشعارات ”لا لأمريكا و لا للشيطان ألاكبر،  و لا للأحتلال“ . لذا نرى ان مقتدى الصدر قد فقد توازنه في الوقت الحاضر وان سياساته المعادية لأمريكا في طرف ومشاركته في الحكومة المنصبة من قبل امريكا اوصلته الى طريق مسدود. حتى ان بعض القوى ك“مؤتمر حرية العراق“ قد انسدت افاق استراتجيتهم وانتهى عمرهم بعد اعلان انتهاء الأحتلال واصبحوا جزءا من تاريخ نسي بسرعة لم يتوقعوها. لكن تحالف بعض القوى الاخرى بمقتدى الصدر كالمجلس الاسلامي الأعلى والوفاق الوطني لاحمد الجلبي الآن لا يفسره الا وقوفهم الى جانب بعضهم لكي يكونوا اقوياء. عامل اخر يؤثر مباشرة على الساحة السياسية العراقية هو اوضاع ايران والثورة الأيرانية واحتمال سقوط الجمهورية الاسلامية في ايران. حيث ان القوى الاسلامية الشيعية التي كانت موحدة من قبل في تحالف صلد الى حد ما، فانها وبعد الانقسامات التي حدثت داخل ايران وحكومة الجمهورية الأسلامية في ايران لعبت دور مباشر عليها وان ذلك سوف يؤثر على العراق و التوازنات السياسية في العراق.

 وبغض النظر عن ان نوري المالكي لم يعلن تأييده للجناح المسمى "الأصلاحي" في ايران بشكل علني، لكن من الناحية العملية هو اقرب لهم من حيث قربه من امريكا والأتفاق مع كل ما تطرحه امريكا لذا فانه يقع في نفس الأتجاه في حين ان مقتدى الصدر الذي كان يرفع شعارات ”لا لا امريكا“ فهو اكثر قربا من محور خامنئي - احمدى نجاد. لذا فان الاستقطابات العراقية تقع تحت تأثير العوامل العالمية والاقليمية في المنطقة. و بالتأكيد فان اي تغير مصيري على مجرى الثورة الأيرانية لن يؤثر فقط على جناح مقتدي الصدر وانما على الأسلام السياسي برمته وسيدفع حركتهم الى المأزق و انسداد أفاقها كلياً.

    

نحو الاشتراكية: نلاحظ ان الصراع مع المالكي انتقل من محور مقتدى الصدر الى المجلس الاعلى وبعبارة اخرى انتقل الصراع من معسكر اعداء امريكا  الى نفس معسكر الموالين لامريكا في حين يبدو الصدر صامتا في الحاشية. كيف تفسر الامر؟ المجلس الاسلامي الاعلى والعديد من القوى التي كانت من المدافعين عن خط امريكا في العراق بالرغم من موالاتها وعمالتها المكشوفة للجمهورية الاسلامية؟

 

سمير نوري: اني لا اوافق على تعبير " العمالة" لأن هذه القوى موجودة على الساحة السياسية وتلعب دورها بأتجاهات معينة. ولكن قربها لأيران بسبب انها على نفس نهج الجمهورية الاسلامية، وهو خط يظم عدة تكتلات واحزاب ليس في العراق فقط وانما في عموم المنطقة. ان الصراع بين المالكي والمجلس الأعلى الاسلامي لا يعني بان المجلس الأعلى قد تحول الى صف المخالفين لأمريكا. وبرأيي ان معاداة امريكا فقدت محتواها كما اشرت من قبل. فبعد تغير سياسة امريكا وأعلانها عن الرغبة بالتفاوض والجلوس مع الأسلام السياسي والقبول بسهمهم في السلطة فان معاداة امريكا من قبل الاسلام السياسي بدات تفقد بريقها خاصة بعد اتمام انسحاب امريكا من العراق فان ذلك الشعار سيفقد  محتواه كليا. لذا فان محور التحالف داخل ”الائتلاف الوطني العراقي“ ليس معاداة امريكا. المحور الاساسي هو صراعهم على السلطة السياسية ورغبتهم في تنحية المالكي من الحكم، بعد ان هدد الأخير مكانتهم في المجتمع و دفعهم الى حد ما الى الحاشية. وبمعنى اخر فان الصراع بدا يبرز بين القوى الاجتماعية المادية الموجودة في العراق وكلما اقترب الأحتلال من النهاية، كلما ازدادت  حدة الأستقطابات السياسية والأجتماعية  بين القوى المحلية  نفسها.

 

نحو الاشتراكية: منذ تأسيسه اوضح الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي ان السبيل لانهاء الاوضاع الكارثية هو في انهاء الاحتلال الامريكي ونزع سلاح الميليشيات الاسلامية والقومية. لقد اعتبرتم ان الدولة المنبثقة عن الاحتلال ستكون دولة رجعية لانها دولة دينية وقومية واثنية وطائفية. كيف ترى وضع تلك الحكومة الان في ظل الصراعات وهل صحيح انها ستكون قادرة على اداء مهماتها في حماية الامن وتوفير الطمأنينة ؟

 

سمير نوري: نعتبر اي دولة تتشكل من قبل البرجوازية ستكون رجعية ومعادية للجماهير وللعلمانية ولحقوق المراة. قلنا اذا استطاعت البرجوازية الخروج من السيناريو الاسود، واذا ما نجحت في تشكيل دولة في ظل الأحتلال، فان مسالة المجتمع المدني والعلمانية وحقوق المرأة وحق المواطنة المتساوية ماتزال غير مطبقة. وبالتالي ستبقى هذه المهام ملقاة على عاتق الأشتراكيين والتحرريين وعليهم ان يديموا النضال من اجل هذه الأهداف الذي نجحت البرجوازية في انجازها في القرن الماضي في اكثر بلدان العالم، الا ان تلك البرجوازية في العراق عاجزة وغير قادرة على تنفيذ هذه الاهداف. المسألة ليست مرتبطة فقط بالقوى البرجوازية العراقية وانما تتعلق ايضا بالغرب والذي يروج للهوية القومية والدينية والطائفية بنفس القدر، وان سلب الهوية الأنسانية يجري في قلب دول اوربا وتحت يافطات وتعابير ”التعددية الثقافية“ و“النسبية الثقافية“ وغيرها. لقد بينت الأحداث بكل جلاء ان الحكومة الموجودة غير قادرة على توفير الأمن والطمأنينة لجماهير العراق، الحكومة التي لا تستطيع ان تحمي نفسها، دوائرها ومؤسساتها، كيف ستحمي المواطنين؟! الهجوم على وزارة المالية والخارجية و“المنطقة الخضراء“ المحصنة، هي شاهد ليس بحاجة الى كلام. وبتصوري فان الأوضاع ستتجه نحو الاسوأ؛ فالصراع بين قوى الاسلام السياسي الشيعي والصراع بين حكومة بغداد وحكومة القوميين الكرد، بين الحكومة والقاعدة والبعثيين يؤشر الى انفجار الأوضاع.

 

نحو الاشتراكية: ما هو تحليلك باختصار للانتخابات المزمع عقدها في نهاية العام الحالي وكيف تنظر الى امكانيتها في تحسين الاوضاع كما يدعون ؟

 

سمير نوري: الأنتخابات المزمع اجرائها براي ستؤدي بالعكس الى تفاقم الوضع. الأنتخابات ليست فانوس سحري لحل المشاكل. اذا كانت الانتخابات في البلدان المؤسساتية والتي فيها استقرار الدولة ومؤسساتها، تجرى  من أجل تغيير السلطة من جناح الى جناح اخر من اجنحة البرجوازية، لكسب الشرعية لسلطتها وادامتها، فانه في العراق ليس هناك حتى دولة بل ميليشيات تنهش بعضها. ان الأنتخابات في ظل القوى الميليشياتية المسلحة والأحتلال والأنفجارات، لن تكون سوى وسيلة لتشديد سفك دماء الابرياء. واذا صح ان هذه القوى مؤيدة للانتخابات وصناديق الاقتراع وعملية الترشيح وتصويت الجماهير، فلم لا يرمون اذن اسلحتهم ويقومون بنشاط سياسي ويسرحون ميليشياتهم المسلحة ؟!

 

نحو الاشتراكية: هل من كلمة اخيرة ؟

 

سمير نوري: بدون انهاء الأحتلال كليا وبدون نزع سلاح جميع الميليشيات، فان الحديث عن انتخابات في العراق سيبقى حديثا فارغا من اي محتوى. المواطن غير قادر على الاختيار، وسيبقى مسلوب الحقوق السياسية والأجتماعية. ان القوى الموجودة داخل ما يسمونه "العملية السياسية" والمخالفين لهم من القاعدة والبعثيين، هم جميعا معادون لمصالح الجماهير، واياديهم ملطخة بدماء الأبرياء دون استثناء. ان الجماهير الغفيرة في العراق متعطشة للحرية و المساواة ولكن دون استقطاب سياسي واجتماعي في العراق ودون تنظيم قوى الجماهير حول القوى الأشتراكية والشيوعية التي تمثل عمق انسانية هذا الهدف النبيل فان ذلك يصبح بعيد المنال. ادعوا العمال والكادحين وكل الشرفاء من المواطنين في العراق الألتفاف حول الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي الذي رسم استراتيجته لانجاز هذه المهمة. هذا الحزب حزبهم ندعوهم لتقوية هذا الحزب و هذه الجبهة الأنسانية.

 

نحو الاشتراكية: نشكركم على هذا اللقاء.