محاضرة عصام شكــري

العلمانية بديلٌ انسانيٌ في العراق

 

عقدت غرفة الديوان العراقي وهي احد غرف الحوار السياسي في الانترنيت ندوة للرفيق عصام شكــري بعنوان العلمانية بديل انساني في العراق. وقد دامت الندوة قرابة ال 3 ساعات وتضمنت سيمنارا عن العلمانية والوضع في العراق والدستور ومجالا للنقاش وطرح الاسئلة. تم نقل الندوة اذاعيا وبشكل مباشر الى العراق عن طريق اذاعة صوت الرافدين بالاضافة الى حضور حشد كبير من المهتمين داخل الغرفة بغرض المشاركة والاستماع. في بداية الندوة تم التعريف بعصام شكري بعنوانه مسؤول منظمة الدفاع عن العلمانية والحقوق المدنية في العراق، فسح المجال بعدها للندوة بالبدء.

 

استهل عصام شكــري الندوة بشكر القائمين عليها والاستعداد لنقلها اذاعيا بشكل حي الى العراق. قسمت المحاضرة الى 3 محاور. تحدث المحور الاول عن العلمانية ومعانيها والثاني عن وضع العلمانية في المجتمع العراقي خلال الفترة الماضية والمجتمع المدني وماتعرض له من نكسات وتحدث المحور الثالث عن الخطوات العملية لاقرار العلمانية كبديل وتحقيقه في العراق على يد القوى التحررية والعلمانية.

 

ما هي العلمانية؟

 

استهل المحور الاول بتعريف العلمانية ونشؤها في المجتمعات وبين بان العلمانية تعني سياسيا فصل الدين عن الدولة وانظمة التربية والتعليم وتعني التقليل الجذري للوشائج والعلاقات بين الدين وبين مؤسسات الدولة. اما من الناحية الفلسفية فهي المعتقد القائل بامكانية عيش الانسان بمستوى انساني اعلى وبامكانه فهم ظواهر الكون من خلال دراسته دون اي مرجعية للاله او الالهة او المعتقدات الخرافية الماورائية. وبين ان العلمانية من الناحية الاجتماعية تعني مجموعة من الاوضاع الاجتماعية التي يتضائل فيها افتراض المجتمع تلقائيا بان الدين ومعتقداته لها قبول اجتماعي واسع او انها هي سبب الازمات الاجتماعية التي تعصف بالمجتمع مقارنة بالاجيال السابقة. وهي تعني ايضا السعي الاجتماعي من اجل ترسيخ الممارسات العلمانية. وأعتبر ان المجتمع يكون علمانيا اذا كانت هنالك حرية شبه كاملة او مطلقة للتدين او عدم الايمان باي دين اي الالحاد، دون الحاجة الى اي موافقة قانونية او مجتمعية وكذلك حيث لا يفرض الدين تأثيره على القرارات السياسية. ومن ناحية اخرى بين عصام شكري بان العلمانية قد جاءت نتيجة للجهود العظيمة للقوى الاجتماعية الراديكالية في الغرب ونتيجة الصراع الحاد بين التيارات الاجتماعية التحررية والعلمانية والنسوية والليبرالية في الغرب ضد السلطة الغاشمة للكنيسة. كما ان المشاريع التنويرية لعصور النهضة والثورة الفرنسية الكبرى للبرجوازية الفرنسية كان لها اعظم الاثر في نشوء العلمانية وتهميش دور الكنيسة والنزوع نحو العلم والفلسفة العقلانية والنزعات المادية والانسانية بشكل عام. وبين عصام شكري في هذا المحور بان فكرة فصل الدين عن الدولة اسباب متعددة منها ان الاقليات الدينية تتعرض بدون الدولة العلمانية الى شتى انواع الاظطهاد والقمع والابادة والتهميش الاجتماعي. كما ان تدخل الدين في الدولة يؤدي الى سحق حقوق الملايين من البشر وخصوصاً النساء والاطفال والشباب وكذلك سحق الحقوق السياسية بحجة الكفر والالحاد. وضرب الامثلة على ذلك في افغانستان الى الباكستان والسعودية وايران والسودان ونيجيريا ممن يتسيد الاسلام فيها السلطة.

واوضح ايضا ان العلمانية مرتبطة بمفاهيم حقوق الانسان المنصوص عليها عالمياً كحرية التعبير وحق الدين والالحاد وحق الملبس والسفر واختيار نمط الحياة وعدم هدر الكرامة الانسانية او ممارسة التعذيب كما ان اكثر ما يلتصق بها من مفاهيم هي ان القوانين والتشريعات الاجتماعية التي تمس حياة الناس تشرع بمشاركة المواطنين في المجتمع وهي ليست مفروضة بموجب نصوص آلهية لا تقبل التغيير او النقاش. وقد انتهى المحور الاول بالقول ان العلمانية ترجع الدين الى موقعه الهامشي في المجتمع كممارسة شخصية لا تفرض على الاخرين.

 

المجتمع المدني في العراق - العلمانية بديل انساني

 

وفي هذا المحور تعرض عصام شكري الى موضوعة المجتمع المدني العراقي وما عاناه من استبداد وقهر على ايدي القوى القومية والاسلامية المعادية للعلمانية. وبين ان كانت هناك عملية جارية من قبل التيار القومي ممثلا بحزب البعث لاسلمة المجتمع في العراق بالقوة والارعاب. فقد حاول هذا التيار المعادي للانسانية انقاذ نفسه من المأزق ومن نقمة الناس ومن انسداد افاقه باللجوء الى الاسلام السياسي فكان ان تحول العلم العراقي من رمز القومية العربية الى رمز الى الاسلام السياسي عندما وضع صدام حسين كلمات الله واكبر عليه وتبنى منهج الاسلام السياسي في محاربة الغرب. فبدأ وبشكل منهجي بعملية اسلمة للمجتمع العراقي من خلال ما يسمى الحملة الايمانية في التسعينات. وقد بدأ بزيادة المناهج الدينية في التلفزيون والاعلام والجرائد وبدأ بحملة مهاجمة حقوق النساء والتعدي عليهن والحط من منزلتهن الاجتماعية وانتهاك حقوقهن وارتكاب الفظائع ضدهن ومنها حملات القتل بقطع الرؤوس التي مورست في نهاية العام 2000 ضد قرابة 200 امرأة اتهمن بممارسة بيع الجسد. كما امر صدام بارجاع المجتمع الى العصور المظلمة من خلال التشجيع على الرجولية وتقوية الممارسات العشائرية والاسلامية والاحلال التدريجي لمبادئ الشريعة الاسلامية محل القوانين المدنية بما في ذلك قوانين العائلة والزواج والميراث والطلاق. انعكس كل ذلك على مجمل وضع المجتمع والذي كان يعاني اشد المعاناة من آثار الحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب على العراق. كان المجال خصبا في ظل تلك المعطيات لتنامي التيارات الاسلامية والرجعية في المجتمع واستثمارها لتعاسات الناس من اجل امرار مشاريعها وخططها الهادفة الى السيطرة على السلطة السياسية في النهاية. واليوم، بلغ الانحدار المادي والمعنوي للجماهير نتيجة الحروب وتسلط القوى الاسلامية وارجاع الدين بقوة الى الساحة الاجتماعية وضياع نضالات الشرائح الواسعة من المجتمع خلال سنين طويلة عن طريق الحرب الامريكية ، اشده. وتم الاشارة ايضا الى وضع النساء في العراق نتيجة غياب العلمانية وصعود الاسلاميين الى السلطة حيث بين بان المرأة اصبحت خاضعة كليا الى الرجل عملا بالقوانين الاسلامية الرجعية التي تقول بان المرأة ليست مساوية للرجل وان حقوقها قابلة للاجحاف وللدين ورجاله الرجعيين السيادة في تقرير مسار حياتها. وبين بان سيادة القوى الاسلامية في مدن جنوب العراق ووسطه قد سبب الويلات للنساء في تلك المدن وسجلت حالات كثيرة لقتل النساء في البصرة والعمارة والفلوجة كما تعرضت اخريات الى رمي الاحماض الحارقة على وجوههن لعدم لبسهن الزي الاسلامي او الحجاب. واشار الى ازدياد حالات ضرب المراة في المنازل وتحقيرها اجتماعيا من خلال فرض الحجاب وتراجع منزلتها الاجتماعية نتيجة سطوة القوى الاسلامية والعشائرية. وضرب مثالا على محاولات الاسلام السياسي تغيير القوانين وانتهاك حقوق النساء من خلال القرار 137 ( مجلس الحكم) والذي اجهضته النساء والحركات التحررية في العراق في وقت مبكر من اقراره. كما تحدث عن الشباب ووضعهم الاجتماعي السئ نتيجة غياب العلمانية وتحكم الاسلاميين في حقوقهم وممارسة القهر من خلال محاولة منع الطلبة من التعبير وممارسة النشاطات الانسانية والشبابية. فقد منع الرقص والغناء والفرح كما حدث في الاعتداء الذي قامت به احد المجموعات الاسلامية المتخلفة الارهابية وطلبة الهندسة في جامعة البصرة وبمشاركة قوات الشرطة مما ادى الى مقتل طالبة وجرح العديدين لمجرد انهم كانوا يقيمون احتفالا. والقى المحاضر الضوء على وضع الاطفال بعد الحرب وفضح تدخل الدين السافر في مناهجهم الدراسية ومحاولة الاسلام السياسي غرس الخرافات والتحميق والايمان بالخوارق والظواهر العجائبية التي صار يضحك منها الاطفال لشدة تناقضها مع المنطق والعلم والحياة الحديثة. وانتقد بشكل حاد دروس الدين الاسلامي التي يتم التفاخر فيها في كيفية تعذيب الناس وما يصور للتلاميذ من حالات بقر البطون واخراج الصديد المائع كالمعادن منها، والتي تسبب انواع الازمات النفسية والخوف والكوابيس. وبين بان دروس الدين تشجع الاطفال على التمييز بين بعضهم البعض واحتقار البنات ووصم افعالهن بالمعيبة ومحاولة دك اوتاد الفرقة والاحتقارعل اساس جنسي منذ السنين المبكرة. ناهيك عن محاولات ارغام الفتيات الصغيرات على التحجب وتزويجهن لبالغين وهن باعمار 7-12 سنة. ومن جهة اخرى تحدث عن وجوب ردع اخافة الاطفال او غسل ادمغتهم بالخرافات وبين ان العلمانية ستنشئ ديناميكية اجتماعية هائلة تحمي الطفولة وكل الشرائح المظلومة في المجتمع.

 

وانتقل بعدها الى الحديث عن التاريخ الحديث لحركة الاسلام السياسي و قد شهدت صعودا اثر استلامها السلطة السياسية في ايران اواخر السبيعينات وجلب الخميني بعد ان نفذت ارصدة الشاه لدى الغرب والنقمة الجماهيرية الواسعة في ايران ضده ولتخوف الغرب من صعود اليسار فسهل قدوم الاسلام السياسي الاكثر وحشية وممثله الخميني من الخارج وتحت شعارات معاداة الامبريالية كدعاية ديماغوجية مازالت الى اليوم تشكل معلما من معالم حركة الاسلام السياسي. ساند الغرب بن لادن ووصفه بالمناضل من اجل الحرية ومول حركته الرجعية في افغانستان ودعمها بالسلاح في خضم الصراع مع السوفييت. وبعد انتهاء الاتحاد السوفييتي وخلو الساحة من العدو اتيح المجال لقوى الاسلام السياسي بالنمو السرطاني من خلال حملات الارهاب والقتل والمجازر ضد اليساريين والعلمانيين والشيوعيين وعموم الجماهير كما حدث في ايران والسعودية والجزائر وافغانستان ومن ثم دخلت مجتمعات الشرق الاوسط وبدعم الغرب تحت سيطرة هذه التيارات المتوحشة في الوقت الذي سكت فيه الغرب كلياً عن لفظائع التي ارتكبها هذا التيار بل وتحالف معه لانه كان مرشحا لاستلام السلطة وتحقيق وتمثيل المصالح الغربية واعاداة انتاج النظام الرأسمالي في دولها. انهى عصام شكري المحور الثاني لحديثه بالقول ان ترسانة ما يسمى بمحاربة الارهاب بعد احداث 11 ايلول قد استعملت من قبل امريكا والغرب من اجل تبرير العسكريتاريا الامريكية ونظامها العالمي الجديد وتم احتلال العراق واحلال قوى اسلامية وقومية متخلفة.

 

مجتمع اكثر سعادة؟ مالمطلوب من العلمانيين؟

 

وفي ختام المحاضرة تسآل المحاضر عن معنى ان يكون المجتمع اكثر انسانية واكثر سعادة، وبين بان العلمانية توفر في الوقت الراهن البديل الواقعي للملايين من الجماهير من اجل الخلاص من التيارات الاسلامية والحركات المعادية للعلمانية وتوطيد الحقوق المتساوية للناس. وبين مطالب منظمة الدفاع عن العلمانية في العراق والتي تسعى الى: فصل الدين عن الدولة في الدستور؛ والمطالبة بالغاء كل المضامين والمصادر الدينية والمتأثرة بالدين وجعل الدين شأن شخصي خاص بالافراد والغاء مقولة الدين الرسمي للبلاد. كما بين سعي منظمة الدفاع عن العلمانية الى منع كافة اشكال تقوية الدين والنشاطات والمؤسسات والفرق الدينية من الناحية المادية والمعنوية من قبل الدولة ومؤسساتها وفصل الدين عن التربية والتعليم ولدفاع عن الحقوق والحريات الفردية والمدنية والدفاع عن المساواة والقضاء على كل اشكال التمييز بين المواطنين ومنع التمييز وفقاً للجنس وتثبيت المساواة التامة بين المرأة والرجل في الدستور وبدون اي قيد او شرط والى الغاء سائر القوانين والمقررات المناقضة لذلك ووضع ظوابط اجتماعية ارقى واكثر طليعية والابتعاد عما يسمى بالاصالة الاثنية والقومية والعرق وكل ايديولوجية او مؤسسة تنافي المساواة التامة والمطلقة في الحقوق المدنية لجميع المواطنين ومساواتهم امام القوانين كذلك كل ما يقيد حرية الفكر والنقد والحياة العلمية للمجتمع و منع الطقوس والشعائر الدينية العنيفة واللاانسانية والمخلة بالهدوء واحساس الجماهير بالامان والطمأنينة وحفظ الاطفال حتى سن 16 من كل انواع التجاوزات المادية والمعنوية للاديان واخيرا وليس اخرا النضال من اجل حظر الدعاية للنعرات الدينية والقومية والعرقية والجنسية.

 

وناشد عصام شكري الجماهير والعلمانيين الى تبيني مطالب منظمة الدفاع عن العلمانية والى الانخراط في المنظمة من اجل تحويل العلمانية الى بديل تغيير حقيقي من خلال تقوية صفوف العلمانيين والجماهير التحررية. بعد ذلك بدأت فترة الاسئلة والاجوبة والتي طرحت فيها العديد من المسائل الخاصة بالعلمانية. وقد اجاب عصام شكري على جميع الاسئلة موضحا ان القوى الاشتراكية والجماهير العمالية هي وحدها المدافعة الجسورة عن العلمانية والتي بامكانها بحكم اشتراكيتها ومعاداتها للرأسمالية على تحقيق هذا الهدف الانساني الكبير. عبر العديد من المشاركين في الندوة عن ترحيبهم باقامة الندوات المدافعة عن العلمانية واثنوا على جهود منظمة الدفاع عن العلمانية وطالبوا بتكثيف الجهود من اجل مجتمع علماني متمدن وانساني في العراق.