مقابلة تلفزيون سيكولار مع عصام شكـــري

حول الظروف المعيشية في العراق

 

خيال ابراهيم: اعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق احصاءات بوجود حوالي مليون وربع مليون عاطل عن العمل مسجلين في قوائم الرسمية. اوضح بيان للوزارة ان هناك مليون و225 الف شخص مسجلين كعاطلين عن العمل في بغداد والمحافظات الاخرى. هل ان للبطالة علاقة بكفاءة الحكومة ؟

 

عصام شكـــري: من جانب يتعلق ذلك بفشل الحكومة في خلق فرص عمل او توفير وظائف او كما يقال اقتصاديا تنشيط الاقتصاد. السبب برأيي مركب. السبب الاساسي هو ان السلطة والحكومة المنصبة هي حكومة ميليشيات دينية وطائفية. ان الحكومة هي سبب بالطبع لتأزيم الوضع السياسي بالرغم من ان امريكا ووجودها هي السبب الرئيسي. ان حكومة المالكي هي حكومة منصبة من قبل امريكا ولم تنبثق من الجماهير كما يحدث في المجتمعات الاخرى اما عن طريق الثورة او الانتفاضة او حتى تشكيل الحكومة بالاتفاق السلمي او الانتخابات. ان الحكومة قد هبطت بالمظلات الامريكية. ان الوضع السياسي المتردي في العراق نتيجة مقابلة امريكا والاسلام السياسي المعادي لامريكا وتدميرهما للمجتمع هو نتيجة لسياسة امريكا واعوانها؛ ليس فقط على صعيد فقدان او انعدام الامن وعمليات القتل والتهجير والظهور الاسلامي الفظيع وغير المسبوق في العراق بل ان نتائج السياسة الاميركية تظهر حتى في لقمة العيش وانعدام الكهرباء والخدمات والاستشفاء بل وقطع المناطق بالعوازل الكونكريتية وغير ذلك. عندما يكون الوضع في مجتمع ما طبيعيا سيأتي الرأسمالي ويستثمر من خلال فتح مصنع او معمل او ورشة او تعبيد الطرق وغيرها ولكن في ظروف مأساوية كهذه لا يمكن ان يحدث ذلك الامر. ان السلطة الحالية فشلت في تكوين دولة في العراق. لذا فاني اريد ان اقول ان البطالة في العراق سببها الاكبر سياسي منذ العام 2003 وتدمير المجتمع وقلع السلطة. قد يقول قائل ان الوضع الاقتصادي في العراق قبل 2003 كان سيئا ايضا ولكني اقول كان ذلك بسبب الحصار الاقتصادي الغربي وليس بسبب تدمير المجتمع وقلع الدولة. ان المجتمع العراقي كان الى حد ما طبيعيا بالرغم من جريمة الحصار الدولي.

الجميع يعرف كيف تسير الوزارات العراقية اليوم. ان التحدث عن مليون وربع او مليون ونصف هي ادعاءات غير صحيحة. ان الحقيقة هي ان البطالة عالية جدا وتصل الى اكثر من 60 بالمئة من الطبقة العاملة في العراق. ان هناك اعداد هائلة من البشر عاطلين عن العمل وايضا داخل اوساط الطلبة المتخرجين حديثا يعم اليأس صفوف الطلبة الجامعيين عموما من هذا الوضع. ليس ثمة وظائف سوى في دوائر الدولة المسيطر عليها من قبل الميليشيات الاسلامية ومحاسيبهم وازلامهم وباستشراء الرشاوي والبراطيل. الجماهير معزولة عن الطبقة الاسلامية والقومية الحاكمة وليس لجماهير العمال الغفيرة وشريحة الشباب اي افاق في حياة  امنة وكريمة ولا تملك اي بارقة امل.

 

خيال ابراهيم: العراق بلد نفطي ولكن المواطنين لا يفهمون كيف انهم غير قادرين على العيش برفاه خصوصا حين يتبين ان 94 بالمئة من عائدات الدولة تأتي كريع من بيع النفط ؟

 

عصام شكــري: هناك ادعاء مستمر بان اقتصاد العراق ريعي اي انه يعتمد على بيع النفط الخام. ان تلك برأيي مقولة سياسية تطلقها اوساط اقتصادية تابعة للبرجوازية تهدف الى الايحاء بان العراق ليس بلدا رأسماليا لان ليس فيه صناعة وانما فقط ريع.  ان الطبقة العاملة في العراق هي التي تنتج النفط وتحوله من مادة خام داخل الارض الى منتج جاهز للتصدير او الاستهلاك. الالاف من العمال منخرطين في عملية انتاج النفط، تكريره، تصفيته، تسويقه، وبيعه، سواء في شركة نفط الشمال او الجنوب، كل تلك العمليات هي صناعة ضخمة. ان مدينة كركوك تعوم كما يقال على بحيرة من النفط ولكن مستشفى كركوك العام يعاني من عدم وجود الكهرباء مما يؤدي الى وفاة المرضى تحت العمليات. لقد خبرت هذا الموضوع عيانيا بنفسي. المولدة المركزية للمستشفى عاطلة والكهرباء الوطنية قد قطعت في الليل وظلت المستشفى الرئيسي في مدينة كركوك النفطية الثرية بلا كهرباء ومن كان على اجهزة كهربائية او الكترونية قد يكون قد توفى. الامر في منتهى الخطورة. انه يتعلق بعجز السلطة والطبقة الحاكمة والقوى التي نصبتها امريكا بالحرب والقتل والتدمير عن توفير ادنى مستويات المعيشة للمواطنين في مدينة يقولون انها تعوم على بحيرة نفطية ومتى ؟ بان ما اتحدث عنه يجري بعد 6 سنوات مريرة على الاحتلال !. ان ذلك يدل على ان المشكلة في العراق ليست الاقتصاد الريعي ولا انخفاض اسعار البترول او المواد الغذائية بل في الحالة السياسية وانهاء حالة الصراع وتشكيل دولة بالمعنى المتعارف . ولو كان الامر كما في دول ريعية اخرى ( فنزويلا على سبيل المثال) فلربما كانت ستنطبق على المجتمع شئ من المنطق الاقتصادي ولكن الدولة في العراق ليست موجودة. هناك فقط جيش وشرطة وقوى مكافحة الارهاب الذي جلبوه بانفسهم. ان عدم وجود الدولة تعني ان السلطة تتوزعها الميليشيات والمافيات والحرامية والمرتشين. كما ان الموارد تنتهي في جيوب الاسلاميين والقوميين او حلفاءهم الامريكان وبقية سلسلة السماسرة والمضاربين بقوت العمال والكادحين والفقراء.

خيال ابراهيم: يقول السياسيون ان العراق جزء من العالم وان اقتصاده يتأثر بالنتيجة بما يجري حاليا من الوضع الاقتصادي العالمي. هل توافقون على ان الازمة الاقتصادية والمعيشية في العراق ناشئة عن الازمة العالمية؟

 

عصام شكـــري: كلا. فالازمة في العراق سبقت الازمة العالمية من الناحية الاقتصادية او التدهور المعيشي. سبب الازمة في العراق سياسي وهو سابق للازمة العالمية، ولكن الاخيرة عندما حدثت فقد ضاعفت من سوء الاوضاع الاقتصادية في العراق باضعاف. حين كان للبرجوازية بصيص امل في تطبيع الاوضاع في العراق فان ذلك البصيص بعد الازمة الماحقة للاقتصاد الرأسمالي العالمي قد انطفئ. لقد جلبت الازمة الاقتصادية العالمية اليأس والاحباط في كل انحاء العالم، بدأت عمليات طرد الاف العمال وسلب بيوتهم في امريكا واوربا وكل انحاء العالم. انهارت اوضاع العراق السياسية بسبب الحرب الامريكية في العام 2003 ودخول المجتمع في نفق مظلم على ايدي الميليشيات والعصابات الاسلامية والقومية لم يخرج منه لحد الان.

 

    ************