في الدولة العلمـــــانية اللا دينية واللا قوميـــــــة ودور المرأة في التصدي لقوى الاسلام السياسي

لقاء تلفزيون سيكولار مع عصام شكـــــري ( تم اعداده ليلائم النشر - حلقة يوم 25 شباط 2008)

 

 

خيال ابراهيم: حول استراتيجية الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي التي تم اقرارها في المؤتمر للاول للحزب في عام 2006. في ذلك القرار تم تبني قرار الحزب المؤرخ في العام 2005 حول السيناريو الاسود واستراتيجية الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي من اجل خلاص جماهير العراق كاملا وفي ذلك القرار يشار الى نقطة مثيرة للاهتمام وهي ما يلي:" البرجوازية عاجزة تماماً عن تأسيس دولة علمانية غير قومية وغير دينية ومجتمع مدني في العراق". سؤالي الاول هو حول هذه الفقرة. هل ان العلمانية اليوم باتت مهمة اشتراكية؟ نحن نسمع اراء من بعض الاصوات المدعية بالشيوعية تصف المطالبة بالعلمانية او المجتمع المدني بانها مطالبات برجوازية ليبرالية. ما قولك عن تلك الاراء وكيف تناقشونها؟

 

عصام شكـــري: المطالبة بالعلمانية ليست مطالبة ليبرالية للطبقة البرجوازية. ان القوى المدعية بالشيوعية و التي تتهم المطالبة بالعلمانية بانها مطالبة ليبرالية تنتمي في الواقع الى جناح الشيوعية البرجوازية. السبب برأيي انها تريد من هذا النقد اسداء خدمة لقوى الاسلام السياسي. انها تهاجم من يطالب بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة  واعتبار الدين شأن شخصي وابعاده عن المجتمع المدني على انه ليبرالي. في حين ان تلك القوى لا تنبس  بكلمة حول حركة الاسلام السياسي والدين والبربرية الدينية. برأيي ان رأيها هذا تغطية لموقفها الرجعي ككل من حركة الاسلام السياسي. تلك القوى تحاول ان تضرب أي قوة شيوعية او يسارية (وتحديدا قوى الشيوعية العمالية)، وتحاول ان تبين ان نضال تلك القوى ضد الاسلام السياسي من اجل احلال العلمانية والتمدن ومساواة المرأة هو مطالبة ليبرالية من اجل افشالها. انهم يغطون بموقفهم هذا على موقفهم المساوم والمعتذر للاسلام السياسي وللرجعية والقوميين والعشائريين ويعتبرون ان  تحقيق العلمانية في المجتمع غير ضروري  وبالتالي فهي مهمة البرجوازية وليس مهمة الطبقة العاملة. من هذا الباب  اوجه نقدي لتلك القوى ولا اعتبرها عمالية بل برجوازية. ان الشيوعية العمالية كفصيل اشتراكي داخل الطبقة العاملة يضع المطالبة بالعلمانية كميدان اساسي ومهم من ميادين النضال الطبقي للطبقة العاملة اليوم. راية العلمانية اليوم ليست في يد البرجوازية كما قبل 200 سنة بل اصبحت في يد الاشتراكيين والطبقة العاملة؛ انها  علاوة على ذلك مطلب جماهيري وانساني واسع وتحديدا مطلب عموم جماهير العراق والمنطقة بل وعلى صعيد العالم. على الشيوعيين والاشتراكيين التصدي لهذه المهمة.  اليوم البرجوازية ليست فقط عاجزة عن تحقيق العلمانية وفصل الدين عن الدولة بل انها هي نفسها اصبحت  طبقة رجعية بالكامل لانها تتخندق مع قوى الدين.

 

خيال ابراهيم: كيف برأيك ان البرجوازية عاجزة عن تحقيق الدولة العلمانية. الجميع يعرف ان العلمانية أي فصل الدين عن الدولة هو مطلب برجوازي قديم وقد حققته تلك الطبقة في اوربا وامريكا وان مطالب الشيوعيين هي تحقيق الاشتراكية والنظام الاشتراكي. كيف تجعلون من العلمانية ميدانا للنضال الاشتراكي.

 

عصام شكـــري: ان قولنا بان البرجوازية عاجزة تثبته نظرة سريعة على الواقع المحلي والعالمي. لناخذ القوى الحاكمة اليوم في العراق: المالكي  او اياد علاوي او الجلبي او الالوسي او اي قوة سياسية اخرى . اسأل: ماهو موقف أي من تلك القوى بخصوص اقامة دولة علمانية في العراق؟ دولة علمانية بمعنى الدولة اللا دينية واللا قومية. لننبته  الى ان الدولة العلمانية  يجب الا تكون قومية ايضا. نحن نقول في استراتيجيتنا: دولة لا دينية ولا قومية بمعنى تنتهج المواطنة كمعيار والمساواة بين البشر على الاسس الحقوقية وبالتالي تؤسس لمجتمع مدني. اسأل : من من هذه القوى البرجوازية الحاكمة او المعارضة ( استثني المعممين بالطبع!) علماني اليوم؟. ولكني لنسأل عن القوى المدعية بالعلمانية: لناخذ الحزب الشيوعي العراقي الذي يجلس على مقاعد شيعية!!. أي من تلك القوى علمانية؟!. ليس ثمة قوة تطالب بفصل الدين عن الدولة.  البرجوازية اذن ( بكل فصائلها) باتت عاجزة عن تحقيق العلمانية. اما على الصعيد العالمي. فلنسأل عن مواقف جورج بوش وتوني بلير من الاسلام السياسي ومن الدين داخل مجتمعاتهم. توني بلير يقول ان الاسلام دين عظيم وعلينا التعلم منه!!. اما جورج بوش ففي ليلة قصف بغداد في نيسان 2003 قال جائني المسيح او ”الرب“وقال لي امنحك صلاحية الهجوم على العراق لانقاذ جماهيره!! . أي علمانية برجوازية ؟!. البرجوازية كلها صارت دينية ورجعية ومعادية للعلمانية والتمدن. العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة. اعتقد بان جورج بوش ومقتدى الصدر ونوري المالكي وتوني بلير وكوردن براون ( بالرغم من موقفه الاخير من تصريحات رئيس اساقفة اسقف كانتربري) وكل القوى البرجوازية بيمينها ويسارها  غير علمانية وعاجزة عن تحقيق العلمانية وكما قلت اصبحت في خندق الدين. كلمة عاجزة هنا  لا تستعمل بمعنى العجز العسكري. نحن نعرف ان البرجوازية مسلحة لاسنانها. تمتلك احدث انواع الاسلحة ووسائل التدمير وقبل ايام سألتيني عن مليون قتيل عراقي او تجاوز حد المليون قتيل بعد 4 سنوات من الاحتلال الامريكي. مليون قتيل مدني عراقي !!. البرجوازية بالتاكيد ليست عاجزة عن القتل والاجرام. وهي ليست عاجزة عن اختراع واستعمال الاسلحة النووية والبايولوجية والكيماوية وتدمير العالم عشرات المرات بهذه الاسلحة. ا

اعني بالعجز الفشل في ايجاد حلول لمعضلات ومشاكل المجتمع.  انظري الى العراق لقد دمروا البلد: انه ينزف و الجماهير تموت والقوى الاسلامية والقومية عاجزة عن ايجاد أي حل لاي مشكلة: لا تعليم ولا صحة ولا امان ولا خدمات عامة ولا وضع المرأة. انهم عاجزين تماما عن ايجاد الحل لمعضلات الناس. أي متابع ولو بشكل سطحي للانتخابات الامريكية سيدرك مقدار نقمة وحقد الشعب الامريكي على الطبقة البرجوازية التي تخنقه بدعوى الدفاع عن حرية وديمقراطية ومصالح امريكا وتقوم بكل هذه الاعمال الوحشية والبربرية التي اصبح المواطن الامريكي يخجل بسببها من الادعاء بانه امريكي. هنالك امثلة لشرفاء في امريكا يريدون ايقاف الحرب ويطالبون بعدالة اجتماعية وارجاع الثروات الطائلة التي تصرف على الحروب لاولادهم وصحتهم وتعليمهم ولخدماتهم. بهذا المعنى نقول ان البرجوازية عاجزة عن تقديم الحلول.

 

خيال ابراهيم: يصف قرار الحزب بان مهمة تحقيق الدولة العلمانية اللا دينية واللاقومية في العراق هي مهمة اليسار والحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. ماهو شكل الحكومة العلمانية هذا؟. اقصد بكلمة الشكل المحتوى السياسي والاجتماعي للحكومة العلمانية التي تناضلون من اجلها.

 

عصام شكـــري: المحتوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة العلمانية هو الحكومة الاشتراكية. ان تأسيس الجمهورية الاشتراكية هو الشكل المادي للدولة العلمانية. نحن نعرف عند القيام بانقلاب او ثورة او انتفاضة او استيلاء بشكل ما على السلطة فان  ذلك يكون من خلال الاستيلاء على اجهزة الدولة.  ان الدولة هي التي تصبح علمانية. الدولة تسن في قوانينها وتشريعاتها فصل الدين عن الدولة وعن التربية وعن التعليم. الدين يطرد من كل اجهزة الدولة؛ لا يمول ولا يعطى راتب لاي شيخ او امام او ملله ولا تبنى الجوامع والمساجد والحسينييات على نفقة الدولة مطلقا. وفي الدستور تزال كلمة ان ألعراق بلد اسلامي وتزال كلمة العراق بلد عربي. في الجمهورية الاشتراكية العراق بلد للجميع.  بهذا المعنى نقول في الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي وبظل مقولتنا بان البرجوازية عاجزة، فاني اضع الطبقة العاملة والاشتراكيين بمثابة القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الدولة العلمانية . لن نجد اليوم الا الطبقة العاملة ، و طليعتها الاشتراكية تداعي بفصل الدين عن الدولة ولا يوجد أي فصيل سواء يميني او يساري داخل الصف البرجوازي يدافع عن الحكومة العلمانية؛ بمعنى طرد الدين من حياة الناس وجعله شأنا شخصيا فرديا وبالتالي تأسيس مجتمع مدني قائم على المواطنة.

 

خيال ابراهيم: يقول قرار الحزب حول السيناريو الاسود واستراتيجية الحزب من اجل خلاص جماهير العراق بانه يجب فضح الديمقراطية الغربية والاسلام السياسي والبعث والحركة القومية العربية والكردية، تبيان الخط والوجه المشترك لهذه القوى وتعلقهما بمعسكر رجعي متخندق ضد الجماهير الشعبية في العراق. كيف تضعون الديمقراطية الغربية والاسلام السياسي في معسكر واحد؟ هل ذلك متعلق بقولكم ان البرجوازية اصبحت اليوم وبشكل ممي اصبحت طبقة رجعية معادية للتمدن وماهو الخندق المقابل لمعسكر البرجوازية الرجعية هذه؟

 

عصام شكـــري: كما قلت.:اعتبر جورج بوش (بمعنى قوة الاحتلال واليمين الامريكي والمحافظين الجدد) ومقتدى الصدر وحركته نفس الشئ. أي مواطن سيقول لك انهما نفس الشئ: نفس المحتوى الرجعي. انهما وجهان لعملة واحدة. اجرام وقتل وسفك دماء وانعدام امان  ورجعية وميكافيللية من اجل تحقيق غاياتهم  ولو مات مئآت الالاف من البشر. ان جرائم المليون قتيل التي سببتها الحرب هي جريمة مشتركة لهذين الطرفين معا ( اقصد الاسلام السياسي ككل وامريكا). مالفرق بالنسبة للناس؟ مالفرق للناس بين جورج بوش وتوني بلير من جهة ومقتدى الصدر واسامة بن لادن و الزرقاوي وجند السماء وغيرهم من هؤلاء الخارجين من الكهوف؟!. نحن نقول ان البرجوازية بجناحيها العالمي والمحلي ، اليميني واليساري اصبحت كلها رجعية ومتخندقة في خندق واحد معادي للجماهير. وهذا يفسر قولي السابق ان البرجوازية عاجزة عن ايجاد حلول. الاسلام السياسي عاجز عن ايجاد حل لرغبة المواطنين في العراق في المدنية والعيش في مجتمع مدني وعلماني. جورج بوش عاجز عن ايجاد حل للمواطنين في العراق من خلال دعمه لاقذر القوى الاسلامية والدينية والقومية والطائفية والمذهبية والعشائرية. في الحالتين هنا الدمار والقتل وانعدام الامان والصحة المتراجعة وقتل الاطفال في الشوارع ونسبة النساء الفاقدات لازواجهن المرتفعة هي جرائم تقوم بها البرجوازية بطرفيها الغربي والطرف المحلي الاسلامي الرجعي في العراق وخارج العراق. في فلسطين مثلا يوجد نفس الوضع: هناك اسرائيل وحماس. أي مواطن فلسطيني سيقول ان الطرفين مجرم وكلاهما يقتلون الابرياء وبلا رحمة . ان الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي على رأس القوى الداعية لدولة علمانية بامكانها ان تؤسس لمجتمع مدني  لا يقوم على اساس الدين والطائفة والقومية والعشيرة والتمييز بين البشر ونحن نناضل لتاسيس هكذا الدولة.

خيال ابراهيم: تركزون على اهمية لعب النساء لدورهن في الوقوف بوجه الاسلام السياسي حيث تقولون بان يجب تعبئة قوى الجماهير وبخاصة النساء بوجه الاسلام السياسي والقوانين والبدائل سواء التي تريد القوى الاسلامية فرضها على المجتمع. لم النساء تحديدا ضد الاسلام السياسي؟ كيف تربط ذلك مع الموجة الاجرامية والارهابية الفظيعة ضد نساء البصرة وبقية مدن العراق مثلا؟

 

عصام شكــري: نحن نعطي دورا مهما للنساء في التصدي للاسلام السياسي. نظرة على اولويات حركة الاسلام السياسي ترينا السبب. ان اكثر اولويات الاسلام السياسي هو قمع حرية النساء. اول المهمات التي يقوم به (الملله) او الشيخ الاسلامي عندما يستلم امر منطقة ما في الجنوب او في المناطق التي تحتلها عصابات القاعدة هو الامر بتحجيب النساء ولفلفتهن بالسواد. لماذا؟!.  قمع المرأة شعار حركة الاسلام السياسي وسلاح تلك الحركة من اجل التسيد واثبات الوجود داخل المجتمع. في المقابل، يجب على النساء كسر هذا السلاح ورميه بوجه الاسلام السياسي. يجب على المرأة ان تنهض وتعبئ قواها بوجه الاسلام السياسي. ان المرأة هي اكثر الشرائح المحرومة في المجتمع ولكن ليس فقط من قبل الاسلام السياسي، بل من قبل النظام الرجولي الرجعي السائد في المنطقة ككل.  تعاني من القمع والحرمان والاظطهاد المزدوج؛ داخل البيت  من اظطهاد الاب او الزوج او الاخ او الابن  او أي ذكر داخل العائلة (بعض الشابات بعمر العشرينات يعانين من عنجهية وتسلط اخوتهن الذكور داخل المنازل بالرغم من انهم يصغرهن بعشر او 15 سنة)!. هذه النظرة الدونية للمراة سببها وسبب ترسخها هو حركة الاسلام السياسي المعاصر وحركة القومية العربية والكردية والعشائرية اليوم ، لذا فان من الاهمية بمكان ان تقف المرأة  وتعبئ قواها وتتحول الى قوة  اجتماعية ونضالية مهمة بوجه حركة الاسلام السياسي وتوقفها عند حدها وترجعها الى  الحاشية. ان مطالبة المرأة بالحرية والمساواة الكاملة بالرجل وجه من اوجه النضال ضد حركة الاسلام السياسي القائمة على كراهية وعبودية المرأة.

 

خيال ابراهيم: دون الدخول الى ميدان الاهمية السياسية لوجود حزب الطبقة العاملة ولكي لا نخرج عن الموضوع وهي مهمات الشيوعية العمالية والعلمانية. ما هي برأيك ميادين الصراع الطبقية الاخرى للعمال و للاشتراكيين والعلمانيين والتحرريين والمساواتيين ما عدا العلمانية؟

 

عصام شكـــري: نحن نعتبر ان الاشتراكية هي حل للجماهير وليست شعارا نظريا. ان الاشتراكية بنظرنا تستطيع الاجابة وتقديم الحلول للمجتمع. ومن هنا نرفع شعارنا "الاشتراكية الان" بمعنى ان للاشتراكية الحل  الواقعي اليوم. ليس فقط على صعيد تنظيم الثورة الاجتماعية للطبقة العاملة، او المديات الاكثر بعدا لانهاض االطبقة العاملة وتحويل المجتمع تحويلا ثوريا ولكن ايضا في المهمات الانية والمطلبية الراهنة. مثلا فصل الدين عن الدولة. فان من مصلحة العامل والمرأة  وعموم الجماهير ان تقول لا اريد الدين في حياتي ولا اريد الشيخ او الملله يفرض علي ما افعل او كيف البس. العلمانية ومساواة المرأة بالرجل وحرية الشباب و تشكيل المنظمات العمالية المستقلة ورفع درجة تحركها المطلبي الراديكالي والثوري بوجه رأس المال كلها ميادين مختلفة لنضال الطبقة العاملة ضد الطبقة البرجوازية. نحن نناضل لتصعيد حركة الجماهير في جميع هذه الميادين .