هل يحقق مؤتمر البرجوازية الموالية لامريكا أغراضه؟

 

عصام شكــري

antisanctions@yahoo.com

 

البرجوازية العراقية التي جاءت بها الدبابات الامريكية ونصبتها على مصائر الجماهير في العراق والتي تدعي انها تمثل أطياف المجتمع العراقي "الموزاييكي " تبدو اليوم متهالكة ، مقسمة ومتشرذمة. انها منقسمة انقسامات حادة وغير قابلة للالتئام حول اتفه المسائل والقضايا والتي يمنون النفس بتسميتها "مصيرية" تتعلق بمصلحة "الوطن". والحقيقة انها مسائل تتعلق بمساحات نفوذ وسطوة كل عشيرة سياسية برجوازية تود السيطرة على ما تراهن على انها مقاطعتها ومن ضمنها ملايين العمال والكادحين القاطنة في مساحة نفوذ تلك القوى.

 

واكثر ما تأجج فيه مؤخراً ذلك الانقسام وتباين المصالح هوموضوع الانتخابات التي تعد لها امريكا في العراق وطرح احتمالات تأجيلها. واليوم ولرأب التصدعات التي تزداد اتساعاً بينهم اقترح بعض "العقلاء " من القوميين البرو-امريكان الدعوة لمؤتمر "وطني" لاقناع القوى القومية والاسلامية والمذهبية والطائفية والمناطقية والعشائرية الى التفاهم والوصول الى حل يرضي الجميع !. هذا المؤتمر والذي سموه (مؤتمر التفاهم والوحدة الوطنية) قد دعا له المجلس الوطني للسلم والتضامن (ما أكثر الاخلاص للوطنية!!) ورئيسه فخري كريم وهو يهدف حسب قوله الى "الى محاصرة الازمة" و" أطفاء الحرائق" وردم الهوة بين جماعات امريكا في العراق. ان الخوف من اجراء الانتخابات صار سيد الموقف بعد ان كان الاصرار على اجرائها من قبل قوى امريكا هو الموقف الموحد. ومن الجدير بالذكر ان الياور سيحضر هذا المؤتمر!.

 

المؤتمر المقترح هو تعبير عن مدى احتقان الازمة بين فئآت البرجوازية الموالية لامريكا بسبب انسحاب الحزب الاسلامي وتفاقم الازمة على اثر تصريحات مجلس علماء السنة حول موقف السنة من الانتخابات. ولكنه بنفس الوقت تعبير عن العجز شبه الكامل في احتواء الموقف واحكام سيطرة البرجوازية الموالية لامريكا على الاوضاع. من جهة هم محاصرون بالعمليات العسكرية المتكررة ضد السلطة المؤقتة من قبل فئآت الاسلام السياسي المعارض للوجود الامريكي ومن جهة اخرى هم تحت سياط السيد جورج بوش والذي ازعجته انباء احتمالات تأجيل الانتخابات من خلال مؤتمر رأب الصدع هذا وراح يؤكد على وجوب انجاح الانتخابات والا....!! ان مقولة "يجب انجاح العملية السياسية" يهدف الى انجاح مهمة توحيد صفوف البرجوازية الموالية لنظام أمريكا العالمي الجديد تمهيدا لتأسيس دولة "ديمقراطية" موالية لامريكا. بطبيعة الحال انهم يشرعون وبمعونة امريكا من خلال الانتخابات بتأسيس دولة قومية اسلامية جديدة في العراق.

 

وتبرز الخلافات الحادة داخل معسكر امريكا وعلى جميع الاصعدة. فهنالك قوى الاسلام السياسي الشيعي التي تتنازع وبشكل محموم على ما يسمى المرجعية الدينية حتى في القوائم الانتخابية. ولكن خلافات تلك القوى الدموية هذه لم تبدأ اليوم بل بدأت تقريبا منذ اسقاط نظام البعث عند اغتيال عبد المجيد الخوئي الذي يعتقد بانه من عملاء الغرب من قبل من يعتقد انهم منافسيه من الشيعة ( جماعة الصدر)على الزعامة الطائفية. وهنالك جماعة السيستاني بقائمتهم الانتخابية وهم مناوئين بطبيعة الحال للصدريين ويعدون "معتدلين" لانهم قريبين من الامريكيين. بينما الصدريون من جهتهم والمعادون لامريكا ظاهريا ( بقايا البعث ) يناصبون العداء للجميع متهمين اياهم بالعمالة.  اما عبد العزيز الحكيم وقائمته الرجعية قائمة الائتلاف الوطني العراقي فهو يود الاستحواذ على كل اصوات الشيعة ويتنافس مع بقية الاطراف.. وهكذا دواليك. هذه الصراعات بين هذه القوى التي تشترك كلها في رجعيتها وتخلف برامجها وانحطاط دورها الاجتماعي ومعادتها للمدنية وقوى التحرر والنساء والشباب في العراق تنهش من جسد ولحمة التحالف الموالي لامريكا حتى داخل ما يسمونه البيت الشيعي.

 

 ومن جهة اخرى يتنازع القوميون الكرد مع بعضهم على زعامة الحركة القومية الكردية ويوزعون المناصب بين البارزاني والذي يقال انه اقتنع بزعامة الفيدرالية الكردية وبين الطالباني الاكثر ميلا الى التواجد في الحكومة المركزية والحصول على منصب فيها. ومن جهة اخرى تبرز الصراعات بين تلك القوى والقوميين العرب والتركمان على كركوك حيث لا ترغب القوى القومية الكردية وعلى رأسها جماعة الطالباني على اعطاء صوت انتخابي للعرب المرحلين الى كركوك ايام حكم البعث.

 

بالاضافة الى كل هذا وذاك هنالك القوميون العرب والاكراد والتركمان من اقصى اليمين الفاشي الى اليسار القومي ( يسميهم الاعلام البرجوازي وياللمهزلة علمانيون). هؤلاء بمجموعهم قوميون يتمسحون باذيال الاسلاميين ويلعبون على اوتار الطائفية القومية والاثنية ويراهنون على دعم العشائر. هذه القوى هزيلة ولا نفوذ لها في التركيبة القائمة وهي ملحقة بفئآت طائفية اكثر حضورا لانها مدعومة من الامريكيين والاسلاميين معا.

 

امام كل هذه التوليفة تبرز قوى الاسلام السياسي المعادي لامريكا ( القوى الطائفية السنية والبعثيين السابقين المتحالفين معهم)  بوجه القوى الامريكية في معركة كسر عظم.

 

ان الازمة التي تعيشها البرجوازية القومية – العشائرية – الاسلامية والتي تستدعي مؤتمر من هذا القبيل هي ازمة تنبع من طبيعة هذه القوى ومبادئها وفلسفتها السياسية وتحالفاتها  المصيرية مع امريكا. هذه القوى هي التي تراهن امريكا على دعمها بسبب من ايديولوجياتها من جهة وجزاءاً لمساندتها للسياسة الامريكية طوال فترة الحصار والحرب.

 

في هذه الازمة التي لا مخرج منها على الاقل في الوقت الراهن غير القتل والمجازر وفقدان الامان واشتعال الازمات الاقتصادية والاجتماعية على العمال والكادحين وعموم الجماهير فان للقوى الطبقية للعمال وقوى الاشتراكية والشيوعية دور مهم لتلعبه لانهاء هذه الاوضاع الشاذة وارجاع المجتمع الى عافيته والامل بتحقيق دولة بعيدة عن سيطرة مخططات امريكا وتمثل مصالح اوسع الجماهير. امام الاشتراكيين الان فرصة سانحة لقيادة الحركة المعادية للمشروع الامريكي وكل قوى هذا السيناريو الاسود من الاسلام السياسي والقوميين. هذا يعني ان البلد بحاجة الى  انهاء وجود قوى السيناريو الاسود فيه ليتمكن مواطنوه من ممارسة حقوقهم المدنية دون ضغط او ارهاب. لا يمكن تشكيل اي دولة مدنية في العراق دون انهاء الوجود الامريكي وقوى السناريو الاسود التي جلبتها امريكا. لا يمكن ان تؤسس دولة علمانية في العراق وامريكا حاضرة ومسيطرة على الوضع السياسي. ان تأسيس دولة تمثل الجماهير بوجود امريكا وقواها الهمجية هو ضرب من خيال وطوباوية.

 

ان هذا المؤتمر وغيره لن يغير من الوقائع على الارض شيئا. فهو مؤتمر عاجز لا لانه لايعالج جوهر القضية فحسب بل لانه مؤتمر لقوى هي نفسها جزء من المشكلة لا من الحل. الوقائع تقول ان امريكا تحتل العراق وتسير اجواءه لمصلحتها وهي مستعدة لاغراقه بالدم من اجل استمرار هذا الوضع. ومالم تتغير هذه الوقائع فان البرجوازية العراقية لن تستطيع ان توفر الامان او الاجواء الطبيعية او تجري توافق حول الانتخابات مهما عقدت من مؤتمرات. الانتخابات التي يخطط لها في هذه الاجواء مرفوضة لانها لا تمثل ارادة الجماهير في ظل احتلال البلد وانهيار اسسه المدنية فيه. يجب اولا  ان يصار الى اخراج امريكا من العراق وانهاء الوضع الذي خلقته بايديها اولا ونزع سلاح (كل) اعوانها واعداءها من الاسلاميين والقوميين وكل العصابات والشراذم المسلحة. ذلك وحده سيخلق الاساس المادي المقبول للجميع لاجراء انتخابات حرة تمثل فيها ارادة جماهير العراق وباشراف وحماية اطراف دولية لم تساهم بالجريمة بحق جماهير العراق. عندها يمكن ان تؤسس دولة تتمتع بالشرعية والمصداقية. عندها يمكن الاشتراك بالانتخابات لجميع القوى السياسية في العراق.