مقابلة نحو الاشتراكية مع سمير نوري عضو المكتب السياسي حول موقف الحزب من تقرير بيكر- هاملتن و فوز الديمقراطيين في الانتخابات الامريكية ومنهجنا الاشتراكي من اجل انقاذ الجماهير من الكـــارثة التي صنعتها البرجوازيـة في العـــــــــــراق

 

نحو الاشتراكية:لقد ثار لغط كبير حول تقرير بيكر- هاملتن ويبدو ان القوى السياسية العراقية هي الاخرى قد تلقفت هذا التقرير وكأنه حصان طروادة وصدقت انه يمتلك الترياق السحري لحل الكارثة الدموية الطاحنة التي خلقتها امريكا وسياسة النظام العالمي الجديد لها في العراق. هل بامكانكم ان تبينوا للقراء كيف ينظر حزبنا الى هذا التقرير ومجمل تقييمكم لموقف القوى السياسية العراقية وخاصة ما اثير من مواقف لبعض القوى المحسوبة على الاشتراكية حول كردستان؟

 

سمير نوري: ان السياسة العسكرتارية الأمريكية و نهج النظام العالمي الجديد والذي يهدف الى تأمين زعامة والسيطرة المطلقة دون اي منازع لأمريكا على العالم بعد انهيار الكتلة الشرقية، هو الذي ادى الى هذه الاوضاع في العالم عامة والشرق الاوسط خاصة. ان تحويل العالم الى براكين حروب داخلية وقتل ملايين من البشر من رواندا و الصومال و فلسطين و افغانستان و الجمهوريات السوفيتية السابقة وصولا الى اواسط اوروبا و اخيرا التدمير الكامل للمجتمع العراقي، لا يمكن تصورها خارج هذه الأستراتيجية وكنتيجة مباشرة لها.

ان هذه الأستراتيجية الامريكية أي استراتيجية النظام العالمي الجديد في العراق و المنطقة قد وصلت الى طريق مسدود، بدلا من استباب الأستقرار و جلب نوع ما من"الديموقراطية" الى المنطقة، فقد انتجت اورام سرطانية مثل حماس و حزب الله و تقوية تنظيمات القاعدة في المنطقة وجماعات الصدريين و السيسيتانيين وتم تشكيل جبهة واسعة من قوى الأسلام السياسي على طول وعرض المنطقة. ان هزيمة المحافظين الجدد امام الديموقراطيين في الانتخابات الاخيرة في امريكا هو انعكاس لانسداد الطرق بوجه السياسة العسكرتارية لأمريكا.

وبدلا من تحول العراق الى نموذج لبسط نفوذهم وتمرير سياساتهم، فقد دمر البلد، وذبح مئآت الالاف من البشر، وتم تهجير مئآت الاغ اخرى وحرم الناس في العراق من ابسط ضروريات الحياة كالماء و الوقود والخدمات الضرورية. وبدلا من ان تتحول الحرب على العراق واحتلاله الى منفذ لبسط السياسات الأمريكية وتقديم نموذج للعالم في أدارة المجتمع من قبل النظام العالمي الجديد، تحول هذا النموذج الى هزيمة لامريكا و نظامها العالمي الجديد و تعرية لمحتواه الهمجي و البربري على الصعيد العالمي و المحلي. وبدلا من ان يتحول العراق الى منبر ومركز لمحاربة الأرهاب كما يدعون تحول الى موقع لتقوية الأسلام السياسي و ساحة حرب لهزيمتهم، كما ادت حرب اسرائيل ضد لبنان الى تقوية حزب الله في لبنان ومجيء حماس الى الحكم في فلسطين.

وفي الواقع فان العراق هو النموذج التي جلبته امريكا ونظامها العالمي الجديد و بمساعدة حلفائها العالميين والمحليين. وقد تصورنا نحن الشيوعيون العماليون حدوث هذه المأساة و الويلات و تدمير المجتمع اقتصاديا واجتماعيا و ثقافيا وانذرنا المجتمع من نتائج سياسات النظام العالمي الجديد في العالم و في المنطقة. وهنا فاني ادعوا الجميع الى قرأءة كراس منصور حكمت "النتائج الأيديولوجية لحرب الخليج " التي كتبها في العام 1991 وتنبأت منصور حكمت من خلالها بالكارثة في وقتها، والتي تواجه العالم اليوم نتيجة لنهج سياسات النظام العالمي الجديد و عنجياته. 

و الآن فان الصراع المحتدم بين القوتين الرجعيتين امريكا وحلفائها في جانب و الأسلام السياسي و القوميين في الجانب الاخر قد جر المنطقة الى الكارثة التي نشهدها اليوم و ان الجماهير لا ناقة لها في هذه الصراع و لا جملا ، فالقطبان، اذا صح التعبير يمثلان قطبا واحدا يقف بوجه مصالح الاكثرية العظمى من الجماهير المحرومة.

اما تقرير بيكر- هاملتن فهو محولة الكونغرس الأمريكي ومجلس الشيوخ لأخراج امريكا من الورطة التي وقعت فيها و فتح افاق انقاذاها من المأزق حيث انه وباللهجة العامية العراقية فان امريكا اليوم مثل ”بلاع الموس“.  هذا التقرير في الواقع لا يمثل استراتيجية جديدة، بل هي حلول جديدة ضمن نفس الاستراتيجية العامة، استراتيجية السيطرة وزعامة العالم . و هناك تفاصيل كثيرة في التقرير، و لكني ارى ان الدخول في عملية نقد تفصيلي لتلك التفاصيل غير مهم بالنسبة لنا لأننا نوجه نقدنا الى كامل الاستراتيجية.

ان نقدنا للتقرير لا يبدأ من عدم اعطاء تقرير بيكر - هاملتن اهمية للقوميين الكرد وطروحاتهم حول الفيدرالية وحلولهم لمعضلة كركوك. اننا نرى ان القوميين الكرد هم جزء من العملية وجزء اساسي من ماساة جماهير العراق وكردستان وان حلولهم و طروحاتهم تقع ضمن التقسيمات القومية والطائفية وهم يشكلون جزئا مهما من السيناريو الأسود في العراق. ليس من وظائفنا ان ننظم اعتراضات ضد عدم اعطاء موقعية سياسية للقومين الكرد من قبل الأدارة الأمريكية و ضد تقرير بيكر - هاملتون وتحت مسميات النضال من اجل استقلال كوردستان، كما شاهدنا بعض الأطراف من "اليسار" في كردستان قد هرولت لاقتناص الفرصة بعد ان اعترض مسعود البرزاني و جلال الطالباني على التقرير. فقد بين هؤلاء أنهم معترضين على التقرير اكثر من القوميين الكرد انفسهم وبالتالي اصبحوا ملكيين اكثر من الملك.    

      

نحو الاشتراكية:يبدو ان فوز الديمقراطيين قد خلق في اذهان بعض القوى السياسية ان هناك فعلا حلا ما بيد الديمقراطيين لمسألة انقاذ وضع امريكا في العراق وهاهو جورج بوش البارحة يعلن عن سياستة الجديدة بارسال المزيد من القوات الى العراق. كيف ينظر حزبنا استراتيجيا الى تلك المناورات بين اجنحة البرجوازية الامريكية وتوزيع الادوار بينها؟ هل هناك فعلا مخرج لانهاء الاوضاع المأساوية وعلى الجماهير ان تنتظر "الفرج"  من امريكا صاحبة السجل الاكثر دموية في العالم؟

 

سمير نوري:خلال العقدين الماضيين لم تتغير استراتيجية امريكا في العراق. ربما بالامكان ان يقال نهم غيروا تاكتيكيا من هذا الامر ونفذوا ذلك الجزء واهملوا الجزء الفلاني ، ولكن بدئا من حرب الخليج وفرض الحصار وابادة اكثر من مليون انسان في العراق واعتماد نهج سياسة تقسيم المجتمع الى اقوام و طوائف و اديان وقبائل ونفي الهوية الأنسانية ومساعدة الأسلام الساسي الموالي لهم للوصول الى الحكم و قيادة الحرب ضد العراق وتدمير ذلك المجتمع تحت اسم " تحرير العراق" لحد خلق الحرب الأهلية في العراق وتدمير البنية الاقتصادية والأجتماعية للمجتمع  وانهاء أي مظهر من مظاهر المجتمع المدني، فان كل قوى البرجوازية قد اشتركت في هذه الجريمة عالميا و محليا. ان الديموقراطيين والجمهوريين في امريكا هم شركاء في كل العملية فمرة الحكم للجمهوريين و تارة بيد الديموقراطيين وان العملية سائرة على هذا المنوال كما هي بغض النظر عن التفاصيل الجزئية.

وفي خططه الجديدة فان جورج بوش لم يعلن مخالفته لتقرير بيكر هاملتن و قد استفاد من بعض اجزائها واخذ بعضها بجدية في تطبيق خططه. ان المسألة الاساسية هو انقاذ امريكا " بلاعة الموس" من الورطة. ومن لديه فكرة جيدة ليأتي بها. ان خلاص الجماهير ليس له موقع من الاعراب في هذا الوضع بالنسبة للبورجوازية الأمريكية  بكلا جناحيها. ان أي توهم بأن خطة بوش سوف تساعد العراق على ارجاع الأمن و الطمأنينة و تشكيل الدولة "وسيادة القانون" ستضر الشعب العراقي وعموم الجماهير في المنطقة. فالتجربة قد اظهرت بأن أي خطوة يخطوها اليمين المتطرف في المنطقة فانها تؤدي الى تغذية قوى الأسلام السياسي و يقويها، كما شاهدنا في لبنان.

ان العنجهية و العسكرتارية وزيادة القوى العسكرية  يجلب الكثير من الدمار و مزيد من سفك دماء الأبرياء ويؤدي الى تقوية الاسلاميين والقوميين ويصعد من وتيرة الحرب الطائفية، والى حرمان الجماهير من ابسط ضروريات الحياة. خلقت امريكا هذه الاوضاع وهي المسؤولة عن السيناريو الأسود في العراق، انها المسؤولة عن قتل الالاف من الناس، وسعت السجون وزادت الأعدامات واستشرى الفلتان الامنى في كل مكان. ليس الأمريكان و لا حلفائهم المحليين من قوميين و اسلاميين لديهم اي حل. فهم ليسوا اهلا لهذه المسؤولية وقد اثبتوا فشلهم مرة بعد اخرى خلال الثلاث سنوات الماضية.  

      

نحو الاشتراكية:امريكا اذن عاجزة عن الحل واخراج العراق من الازمة بتصوركم. هل هناك اي حل لدى الحزب الشيوعي العمالي اليساري لانهاء الاوضاع لصالح الجماهير؟ كيف ينظر الحزب الى عجز امريكا ومعها كل البرجوازية العالمية والاسلامية - القومية المحلية على تقديم اي حل لتشكيل الدولة وانهاء الارهاب والقتل الطائفي والدمار وانهيار المجتمع المدني: بتعبير اخر: هل للاشتراكية وقواها في العراق اي حل سياسي واقعي للكارثة التي يعاني منها الناس اليوم؟

 

سمير نوري:في ظل النظام العالمي الجديد وصلت البرجوازية الي وضع تكون فيه خالقة للحروب البربرية، تدمر المجتمعات المدنية و تعوضها بطائفية وقومية و عصبوية معادية للانسانية، هي التي ارجعت الدين والقوى الدينية الى مراكز القرار، وهي التي تدعوا الى ارجاع المرأة الى البيت و حبسها في المطبخ، هي التي تقوم بتجارة الجنس للأطفال و استغلالهم في المعامل والورش وبالملايين، هي المسؤولة عن تفشي امراض الأيدز وتلوث البيئة والانحباس الحراري، هي المسؤولة عن المجاعة والحرمان من الأكل و مياه الشرب النظيفة وهي المسؤولة عن تلوث الهواء والمياه وحرمان الجماهير من الهواء النقي.

امريكا و حلفائها العالميين والمحليين هم المسؤولون عن الذي حدث ويحدث في العراق. لقد خلقوا هذا السيناريو وكل البرجوازية شريكة في هذه المهزلة المؤلمة والماساوية في العراق. لا يوجد فرق كبير بين جورج بوش و مقتدى الصدر وجلال الطالبان والمالكي وعبدالعزيز الحكيم و البرزاني و اسامة بن لادن.

ان كل اؤلئك يشكلون قطبا معاديا للجماهير ومعاد للمجتمع المدني، ومعاد للعامل وضد المرأة و العلمانية وضد التحرر. انهم عاجزون عن تأمين ابسط مقومات المجتمع المدني في العراق، وليس لديهم برنامج في هذه الأتجاه.

ان الطبقة العاملة و كل الجماهير المتمدنة و تحت قيادة الأشتراكية والشيوعية لها مصلحة ملحة في حل هذه الأوضاع. فقط بامكان الأشتراكيين حل تلك الاوضاع.

اننا عندما نقول بان الأشتراكية فقط بامكانها حل الوضع فانني لا اقصد انها فانوس سحري او ضرب من الخيال.  ان هذا ينبع من الأستقطابات داخل المجتمع نفسه، امريكا و حلفائها و الأسلام السياسي و القوميون يشكلون قطبا واحدا بمواجهة مصالح ملايين من البشر في المنطقة. لقد فرضوا اكثر الظروف رجعية، سياسيا واجتماعيا على الجماهير. بغير الصراع ضد هذا القطب الرجعي وتشكيل القطب الأنساني والتحرري ضد تلك الجبهة بكاملها وبكل قواها العالمية و المحلية، فان الخلاص غير ممكن وليس له افق. ان تشكيل هكذا قطب هو بامكان الأشتراكيين وحدهم وهم القادرين فقط على تنظيمه وقيادته.

اننا في الحزب الشيوعي العمالي اليساري اعلنا استراتيجتنا لخلاص الجماهير في العراق و بتصوري فان تلك الاستراتجية هي اكثر الحلول واقعية للخلاص. اهم نقطة هو الالتفاف حول الحزب و سياساته لخروج الأمريكان من العراق و نزع سلاح الميليشيات الاسلامية و القومية. وفي داخل العراق فان هذه الأستراتيجية بحاجة الى تحرك جماهيري واسع في شتى المجالات. وعلى الصعيد العالمي يجب تتشكيل جبهة واسعة من الاشتراكيين والتحررين ضد الحرب والاحتلال و لنصرة الشعب العراقي. ان من الممكن بحث تفاصيل ومفردات هذه الأستراتيجية بشكل مستقل و طرح الخطط والتاكتيكات المعينة لانجازها و في شتى المجالات .

 

 نحو الاشتراكية:  نشكرك على الاجابة.