مقابلة نحو الاشتراكية مع كل من سمير نوري وخبات مجيد عضوا الهيئة التنفيذية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي وناشطا الحركة المجالسية في 1991

أجرى اللقاء مدير تحرير نحو الاشتراكية الرفيق صباح ابراهيم

 

صباح ابراهيم: ان امكن ان تتحدثا عن تاريخ حركة مجالس كردستان عام 1991، هذه الحركة التي ظهرت على الساحة السياسية الاجتماعية في مدن كردستان ابان هجوم قوى التحالف بقيادة امريكا لاخراج الجيش العراقي من الكويت؟

 

سمير نوري: بعد الاوضاع السياسية التي حدثت في اعقاب احتلال الكويت والحرب التي شنتها امريكا وحلفائها لتحرير الكويت انهار الجيش العراقي ومعه قدرة النظام البعثي مما افسح المجال امام القوى الرجعية لتتناسق مع بعضها وتتحالف مع امريكا من اجل اسقاط النظام البعثي. بمقابل هذه القوى ظهرت حركة المجالس العمالية الشعبية في كردستان العراق، وجوهر خلاف هذه الحركة مع الحركة البرجوازية القومية الكردية تمثلت في انها كانت حركة مدينية (نسبة الى المدينة) غير مرتبطة بامريكا بينما الحركة القومية الكردية كانت حركة جبلية وعشائرية رجعية. لقد تشكلت هذه الحركة الجماهيرية على ايدي الشيوعيين العماليين التي كانت متكونة انذاك من عدد من المجموعات اليسارية والشيوعية التي تأثرت بنهج الشيوعية العمالية وفكر منصور حكمت حول المجالس وسلطتها. كان الهدف من تشكيل تلك المجالس ادارة شؤون المجتمع، وتم تشكيلها في معظم مدن وقصبات كردستان. كالسليمانية واربيل وكركوك وئاكري...الخ وتم رفع راية الشيوعية عاليا في كل مكان. كان ذلك في اذار 1991، وكانت هذه بداية المواجهة مع الحركة القومية  حيث هدد الاتحاد الوطني الكردستاني حركة المجالس تهديدا مباشرا ومسلحا. لا اود ان اتحدث عن هذه الحركة بالتفصيل ولكن استطيع القول بان هذه الحركة وجدت طريقها في الاحياء والمعامل واستطاعت ان تجمع الجماهير حولها وترفع مطالبها بل وحتى تشكيل نوع من القوة المسلحة ايضا. اضافة الى ذلك استطاعت ان تقدم عدد من الخدمات الاجتماعية كحماية المستشفيات وتامين الكهرباء والخدمات البلدية. هكذا كان بداية ظهور ونشوء حركة المجالس في كوردستان وقد تزامنت هذه الحركة مع انتهاء الحرب الباردة وانهيار الكتلة الشرقية والادعاء بسقوط الشيوعية ولكنها رفعت راية الشيوعية في كردستان مجددا.

 

خبات مجيد: تحدث الرفيق سمير نوري عن بعض الجوانب، فيما يتعلق بالجانب التاريخي لظهور حركة المجالس في كردستان، كانت في ظل اوضاع عالمية كانهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية . حيث لم تشهد المنطقة مثيلا لها، حيث بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانوا يريدون ( البرجوازيون) ان يصادروا حق العمال والجماهير الكادحة في التعبير عن احتجاجاتها ويمنعوا الشيوعية على الصعيد العالمي.

اما على الصعيد المحلي فان حركة المجالس تشكلت بعد اندحار النظام البعثي العراقي واخلائه لكردستان مما افسح المجال امام كل القوى السياسية في المنطقة وكانت لكل هذه القوى ظروفها وموقعها الاجتماعي الخاص، فمثلا الاحزاب القومية الكردية حينذاك رغم انها لم تكن موجودة بالشكل المطلوب في كردستان الا انها استفادت من الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة حيث اصبح هذا الواقع فيما بعد قاعدة لتحركها. اما القوى الاخرى التي كانت موجودة على الساحة تمثلت في القوى اليسارية والشيوعية  تجسدت في شكل حركة المجالس في المعامل واحياء الطبقات الكادحة.

اتذكر انني والرفيق سمير كنا نعمل في منظمة شيوعية باسم التيار الشيوعي وقبل اخلاء كردستان من قبل النظام كان لدينا العديد من الفعاليات والنشاطات السياسية كتوزيع ونشر البوسترات والمنشورات والبيانات في مدن كردستان، واحدى هذه المنشورات كان بعنوان " الواجبات الملحة" التي تم نشرها بشكل واسع. اي مؤرخ يريد تدوين تاريخ حركة المجالس اذا لم يشر الى هذا المنشور فان عمله سيكون ناقصا،حيث كان هذا المنشور يمثل بلاتفورم ( وثيقة عمل) لبرنامج عمل قوى اليسار لما بعد سقوط النظام البعثي، وحركة المجالس كانت احدى اهم جوانب هذا البرنامج.

ومن الناحية التاريخية في بداية نشوء حركة المجالس فان الكوادر اليسارية والشيوعيين قد خرجوا للعلن وتحدثوا للجماهير حولها من خلال اقامة الندوات العامة ، كما تم من خلال هذ الندوات حشد الجماهير ضد النظام البعثي الفاشي. بعد نشوء حركة المجالس ووقوفها على قدميها بدأت المواجهة مع القوى القومية والرجعية في المنطقة وساتطرق اليها لاحقاً.

 

صباح ابراهيم: ضمن اي من المجالس كان اطار فعاليتكما وكيف كان الشكل التنظيمي لمجلسيكما وعلاقتهما بالمجلس البلدي العام؟

 

خبات مجيد: فيما يتعلق بالفقرة الاولى من سؤالك اقول منذ بداية الاحداث  كنت واحدا من الكوادر الذين شاركوا في السيطرة على مقرات المنظمات البعثية في مدينة السليمانية، كما انه ومنذ الساعات الاولى للانتفاضة تحدثت الى الجماهير في ثلاثة مواقع رئيسية في المدينة حول المجالس وشجعتهم على المشاركة فيها. بعد ذلك اسسنا مركز رئيسي باسم "مركز مجلس المدينة". لم يكن هذا المجلس منتخبا بل انشأ من قبل عدد من كوادر وفعالي المجالس وبعدها اسسنا مركزا آخرا باسم مرجز" أوات"، ولكن كما ذكرت سابقا بحكم انتمائي السياسي لمنظمة التيار الشيوعي وبايعاز من المنظمة انسحبت من مركز مجلس المدينة واصبحت مسؤولا عن القسم العلني للمنظمة وتم تكليفي بفتح مقر علني لها. ولهذا السبب لم استطع ان استمر بفعاليتي في مراكز المجالس، لكن المهمة الرئيسية لمقرنا كانت في قيادة وتنظيم نشاطات وفعاليات المجالس، حيث قمنا بتشكيل فرق في احياء المدينة مهمتها اقامة الندوات العامة لتوضيح اهداف ومطالب المجالس، وكانت فرقنا تتعرض للمواجهة اليومية مع الاحزاب القومية الكردية على سبيل المثال في معامل السمنت والسجائر والنسيج والخياطة والدواجن. وكانت الاحزاب القومية الكردية تريد منعنا من اقامة الندوات العامة -  لايتسع المجال هنا الى ان اشير الى اسماء كل الرفاق الذين شاركوا في قيادة هذه الفعاليات، اضافة الى انه كانت لدينا تنظيمات سرية تتلقى التوجيهات منا مباشرة. وكانت لزياراتنا الميدانية لمراكز المجالس اثرها المباشر على نشاطاتها وفعالياتها.

اضافة الى تنظيمنا كانت هنالك عدد من التشكيلات والتنظيمات اليسارية تعمل في المجالس حيث اتحد بعضهم تحت راية جريدة " سرنجي كريكار" كما تم تشكيل منظمة اخرى باسم" اتحاد النضال" وكان لكل منهما تأثير مباشر على العمل المجالسي.

وحول الشق الثاني من سؤالك حول نوع وكيفية تنظيم المجالس استطيع ان اقول انها كانت تعتمد على الندوات والاجتماعات العامة والانتخابات المباشرة، اتذكر ان معظم المراكز كانت تجري فيها الانتخابات وكان المرشحون من كافة الجهات الحزبية والمستقلة وكانوا احرارا في الفكر وفي ترشيح انفسهم وما ان يتم انتخابهم في الاجتماع العام كممثلين منتخبين يبدأون العمل من اجل وضع بلاتفورم لعمل المجلس. كما كان يتم انتخاب مندوبين في كل المركز ليمثلوا المركز في المركز العام في المدينة وفي مدينة السليمانية. كان المركز العام فيما بعد مركز آوات حيث كان يتم قيادة فعاليات مجلس المدينة من هناك.

وحول الشطر الثالث من سؤالك فيما يتعلق بكيفية اجراء الانتخابات كانت تتوقف على نقطتين اولها من كان له حق التصويت والثانية من كان له حق الترشيح، حيث في العموم كانت ترتكز على الاجتماعات العامة وكانت مرتبطة بعدة مراكز مختلفة، في مواقع العمل فان حق الترشيح كان مشروطا بالانتساب الى ذلك المعمل او الموقع، فمثلا لم يكن بمقدور عامل في معمل السمنت ترشيح نفسه في معمل السجائر، بمعنى ان الشرط الوحيد للترشيح كان الانتساب الى ذلك المعمل ونفس الشيء كان ينطبق على حق التصويت .

اما المحلات واحياء السكن فانها كانت تظم عددا من المراكز، واتذكر ان معظم المراكز كانت في المدارس ولم يشترط على المرشحين ان يكونوا من سكنة نفس الحي لكن كان له حق الترشيح في مكان واحد فقط، اما التصويت فكان يشترط ان يكون من سكنة نفس الحي وكل شخص كان له حق التصويت مرة واحدة.

 

سمير نوري: حقيقة انني كنت ناشطا في مدينتي اربيل وكركوك وكنت احد الكوادر الشيوعية المكافحة ضد النظام البعثي، كنت واحد من الكوادر الرئيسية لمركز المجالس العمالية في مدينة اربيل، حيث كانت المهمة الرئيسية لهذا المركز هو تهيئة المجالس العمالية في المدينة، اضافة الى مركزنا كان هنالك مركز آخر في المدينة مهمته تشكيل المجالس في المحلات واماكن السكن وكان هذا المركز مختلفا عن مركزنا وسوف اتطرق اليه لاحقا.

تاسس مركز المجالس العمالية في المدينة بجهد اليساريين والشيوعيين حيث كان متألفا من مجلس معمل النسيج، مجلس معمل السجائر مجلس معمل الدواجن ومجلس محلة صلاح الدين وعدد من المحلات الاخرى التي تسكنها الطبقات الكادحة. وكنا في تشكيل هذه المراكز نعتمد بشكل رئيسي على الاجتماعات والندوات العامة، فمثلا كان معمل النسيج يضم حوالي 800 عاملا حيث تم تنظيم اجتماع عام وتم انتخاب ممثلي المعمل، وكانت احدى سمات هذا المعمل هو ان معظم المندوبين من النساء، والجدير بالاشارة الى ان المراكز المجالسية استطاعت ان تسلح المرأة وهذه كانت الميزة التي تفردت بها المجالس، ومما يأسف له هو ان بعض هولاء المندوبات قد قتلن على ايدي النظام البعثي بعد مهاجمة مدينة اربيل واذكر منهم رقية، شادية، غني.  وفي مركز مجالس معمل السجائر تم انتخاب المندوب الرئيسي للمعمل في الاجتماع العام  ايضا حيث رشحت المندوبة ساجدة. اما عن آلية الانتخاب فكان تقريبا كما اشار اليه الرفيق خبات يتم من خلال الاجتماع العام ويتم طرح مطالبهم الاساسية منها الحرية السياسية والمطالب العمالية. اما مركز مجالس الجماهير في المدينة فقد كان دوره هو تقديم الخدمات الاجتماعية للمدينة مثل الكهرباء وخدمات البلدية وغيرها.

وفي مدينة كركوك كانت الفرص المتاحة امام حركة المجالس اقل، حيث كنت مطلعا على كيفية تشكيل مجالس شركة النفط وحي الشورجة، ولكن نظرا لان ظروف مدينة كركوك في ذلك الحين كانت ظروف حرب، لم تتح لنا الفرصة المناسبة لتشيل المجالس فيها بالشكل المطلوب.

 

صباح ابراهيم: ذكرت ان المرأة كانت مسلحة، هل كانت المجالس مسلحة؟

 

كانت اوضاع كردستان في ذلك الوقت اوضاع حربية وكان السلاح منتشرا في كل مكان، حيث ان انهيار الجيش العراقي خلف الاسلحة في كل مكان وكان الناس مسلحون والمجالس كانت تحاول تسليح نفسها، رغم ان احدى نقاط ضعف المجالس كان عدم تمكنها من تسليح نفسها بشكل منظم لكي تصبح قوة منظمة لتوجيه وقيادة المجتمع. والجدير بالذكر ان مجلس مدينة اربيل كان له دور فعال للتصدي للنظام البعثي والتي شاركت فيه المراة المسلحة كما ذكرت مشاركة فعالة.