قرار صادر عن البلنوم الحادي والثلاثين للجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي الإيراني حول الأزمة العالمية للبرجوازية

 

 

1- إن  الأزمة الاقتصادية الراهنة ، التي ظهرت بوادرها قبل الإعلان عنها بفترة ليست بقصيرة، وتفاقمت على أن بلغت أوجها ، بانهيار الوول ستريت والبنوك، نابعة  من طبيعة النظام الرأسمالي ، وتمتد جذورها إلى آلية أدائه ،باعتباره منظومة إنتاجية قائمة على الربح وتراكم ما استطاع من رأس المال.وقد تجلت تأثيرات الأزمة على القطاعات الصناعية والتجارية ،على شكل نزول حاد للطلب ، وركود أسواق البضائع، وانحدار  الشركات الإنتاجية الكبرى  لتبلغ  حافة الهاوية. 

وذكر  القرار  أن الأزمة الحالية  تجلت في  البطالة الجماعية الشاملة  التي لم يسبق لها مثيل، وأن هذه الأزمة آخذة في التفاقم و الاستفحال ، وأنها بلا  شك سوف تنعكس  آثارها الاقتصادية والاجتماعية في كل البلدان بشكل كإرثي  ، وسوف تولّد ظروفا معيشية أقسى ، ومستقبلا أكثر قتامة  للعمال والجماهير الكادحة.

 

و إن هذه الأزمة تؤكد مرة أخرى على حقيقة لا غبار عليها وهي  أن وجود النظام الرأسمالي،و حاجته الأساس إلى مزيد من الربح وتراكم رأس المال، على نقيض تام مع مستلزمات معيشة الجماهير ، وتطلعاتها إلى حياة إنسانية أفضل.

 

2- إن  إحدى تجليات  أزمة الطبقة الرأسمالية ، هي  انهيار قسم من رأس المال ، وابتلاعه من قبل رأسمالات أكبر، ولكن رغم ذلك لا تخسر الطبقة الرأسمالية مواقعها الاجتماعية والاقتصادية الراقية المترفة ، ولن يجري تغير على طراز حياة الرأسماليين  المنهارين  المرفهة و أناقتهم ، وذلك بفضل قوانين الحماية الحكومية ، في وقت لا تعني هذه الأزمة للعمال والشغيلة المحرومين من أية حصة في ملكية وسائل الإنتاج، سوى المزيد من البطالة والبؤس و المآسي، والتشرد و خسران الكثير من مستلزمات المعيشة. لقد أدت الأزمة إلى توسع الهوة والفوارق الطبقية  الأساسية الموجودة أصلا في المجتمع الرأسمالي، بين بؤس الجماهير المنتجة وحرمانها ، وبين ثروة وثراء الكسالى القاعدين من أصحاب رؤوس الأموال،  وعرضت هذه الفوارق الفاحشة واضحة ،جلية للعيان أمام الجميع.

 

3- ومن مميزات الأزمة الراهنة ، أنها انفجرت في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، أي بعد انهيار نموذج رأسمالية الدولة الذي كان متبعا في الكتلة الشرقية ، و إطلاق  رأسمالية السوق الحرة لعنانها، إذ تبنت كل الأحزاب والمفكرين والمنظرين في معسكر البرجوازية تعاليم مدرسة المحافظين الجدد " النيوكونسرفاتيزم" ومدرسة شيكاغو ، باعتبارها النموذج الوحيد السياسي والاقتصادي الممكن والمقبول في العصر الحديث، كما أوصت المؤسسات المالية الدولية فترتئذ ، مثل صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي، كل البلدان ، أو بالأحرى ، فرضت عليها،سياسة التقشف الاقتصادي ، وتشديد الاستغلال ،فأصبحت السياسة المتبعة والسائدة  لتلك البلدان هي تنصل حكوماتها من مسؤولياتها تجاه المجتمع ، و الخصخصة ، و البطالة الواسعة ، وتجريد العمال من حقوقهم المهنية ، وجعل مسائل الأجور وساعات العمل من صلاحيات السوق وقوانينها العمياء، وكذلك تقليل الضمانات والخدمات  الاجتماعية و تقليص الرفاهية .

هذه الأوضاع وفرت خلال العقدين الماضيين ظروفا ملائمة جدا ، اقتصادية وسياسية جنت من ورائها الشركات أرباحا فلكية، وراكمت مزيدا من الرساميل في أنحاء العالم. و قد كشف انفجار الأزمة الحالية للعالم كله ، وبأدلة دامغة لا يمكن ردها،    الخصال اللا إنسانية  للرأسمالية والمعادية للبشرية . وحقا ، إن الأزمة الحالية  هي فشل سياسة النيوكونسرفاتيزم"المحافظين الجدد" فشلا ذريعا وتاما على كل الأصعدة، الاقتصادية والسياسية والايديولوجية.

 

4- لقد أوقع فشل المحافظين الجدد ،و المدرسة الاقتصادية للسوق الحرة، البرجوازية العالمية كلها في مأزق ومتاهة ، وارتباك ، وطريق مسدود ، لا من الناحية الاقتصادية فحسب، بل من الناحية الايديولوجية والنظرية كذلك.

 وبعد زوال نموذج رأسمالية الدولة، قبل عقدين تقريبا، انبرى جميع المفكرين والخبراء والمثقفين ووسائل الإعلام البرجوازية للدفاع عن نموذج رأسمالية السوق الحرة باعتباره الشكل الوحيد الملائم والمقبول في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للعصر، سابغين عليه غطاءهم الفلسفي والنظري والإيديولوجي.

واليوم وقد سقطت كل هذه التبريرات والأوهام، أخذت البرجوازية طريقها إلى الانحطاط ومتاهة اقتصادية وفلسفية وإيديولوجية. لقد أعلنت البرجوازية العالمية على لسان مفكريها ومنظريها ووسائل إعلامها ، بعد سقوط جدار برلين ، موتَ ماركس والاشتراكية ، لكنها اليوم ، وبموت الفريدمنيزم وتعاليم السوق الحرة ، باتت تفقد الرؤية ونظرتها إلى العالم ، لا من وجهة النظر الاقتصادية فحسب، بل أخذت تتفسخ اجتماعيا وفلسفيا وإيديولوجيا.

إن المفكرين والمحللين الذين اعتبروا فشل رأسمالية الدولة بمثابة موت ماركس والماركسية، انبروا اليوم يحذرون من " موت أمريكا"، ويقرون بأخطائهم حين دافعوا دفاعا بلا هوادة وبلا شروط عن السوق الحرة، إلى حد ّ أن أحدهم صرح والحسرة أخذت بتلابيبه، مترددا: " ربما كان ماركس على حق!" ، لكن الحياة والواقع المعاش ، وتجربة انهيار الوول ستريت ، وفشل مدرسة شيكاغو، أثبتت ، وبصوت مدوّي، صحة النقد الماركسي للرأسمالية ، والضرورة  الحيوية الملحة لبناء الاشتراكية.    

 

5-  أعقبت الأزمة الاقتصادية وفشل مبادئ شيكاغو تغيرات واسعة  عالميا في سياسة الرأسمالية العالمية واقتصادها.وسوف تكون إحدى عواقب الأزمة إضعاف الهيمنة الأمريكية وتقوية دور الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا في مجالات التنافس العالمي. وبعد الفشل التام لتعاليم اليمين المتطرف الاقتصادية والسياسية، سوف تكتسب النزعات اليسارية والوسطية فسحة أوسع للتحرك والعمل، لكن، في الوقت ذاته، سوف تزول المميزات التي تفرز بين اليسار واليمين، أكثر مما كان من قبل، وخاصة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية. ورغم أن التنافس يأخذ بالاشتداد بين البلدان والكتل الاقتصادية الكبرى ، مثل الاتحاد الأوروبي ، والصين واليابان وأمريكا، ألا أن كل الأجنحة والمؤسسات البرجوازية الدولية ، سوف تعمل أخيرا في تناسق ، واتحاد ، لإنقاذ رأس المال ، و إخراج الرأسمالية من أزمتها ، وذلك عن طريق فرض  المزيد من البطالة و المشقات المعيشية على العمال والجماهير الواسعة.

 

لا تقتصر عواقب الأزمة البرجوازية و نتائجها على المجال الاقتصادي، بل سوف تسعى البرجوازية لتبرير هجمتها الاقتصادية وترسيخها على الطبقة العاملة، باللجوء إلى أخس الأساليب والطرق الرجعية.

وسوف يشهد  هذه المرحلة، وكمميزات عامة للحكومات البرجوازية ،  تصعيدا إعلاميا، وأوسع ترويج لخطابات  تضليلية دينية وقومية ، واشتدادا في وتيرة القمع والاضطهاد ، وخاصة في البلدان غير الصناعية والمتخلفة، و تراجعا كبيرا عن حقوق الجماهير المدنية والسياسية ، وخاصة ، مكاسب الطبقة العاملة التي حققتها بنضالها المرير ، وكذلك سوف تتميز هذه المرحلة باشتداد النزعة العسكرية المليشياتية ، وسوف يخيم خطر اندلاع حروب إقليمية ، وحتى عالمية.

فهذه الظروف الاقتصادية والسياسية، سوف توفر أرضية ملائمة، أكثر مما سبق، لنمو ّ حركات احتجاجية جماهيرية، من قبيل تلك الحركات الاحتجاجية التي حذر منها البنك الدولي، باعتبارها خطر ثورة الجياع في 30 بلدا في العالم...

6- هذه الأزمة تتطلب لمواجهتها،   ردا جذريا مستندا إلى معارضة عمالية و تحرك عمالي ونقد اشتراكي للوضع الراهن ، وإلا سوف تنجح طبقة الرأسمال في تجاوز أزمتها بثمن يدفعه عمال العالم على شكل بطالة واسعة ومآسي ومشقات كبيرة.

فمن وجهة النظر الاقتصادية ، وفرت الأزمة الرأسمالية ظروفا لحلها ، ثمنه المزيد من المصائب والمآسي للجماهير، ومن هذا المنطلق نرى أن طريق الحل من وجهة نظر العمال و جماهير والشغيلة العريضة ، الذين لا يجنون خيرا من الملكية والاستغلال والربح الرأسمالي، إنما هو طريق حل سياسي للأزمة.

إن بديل العمال هو قلب النظام الرأسمالي رأسا على عقب، وتجريد الطبقة الرأسمالية من سلطتها السياسية، والاقتصادية، وتحقيق الاشتراكية.

إن الحركة العمالية العالمية لها القدرة والإمكانية أن تنهض حاملة هذا الشعار، متطلعة إلى تلك الآفاق مناضلة في سبيل تحقيق أهدافها. بإمكانها أن تواجه عواقب الأزمة التي تتمثل في  البطالة والحرمان والمشقات التي تفرضها الرأسمالية وحكوماتها على العمال.

وإن قدراتها تمكنها من منع الرأسمالية من حل أزمتها على حساب الطبقة العاملة.

إن اضطراب المنظرين الرأسماليين و ارتباكهم، على الصعيد العالمي، يخلق أرضية ملائمة لتقبل النقد الماركسي و ازدياد شعبيته، وشيوع الرؤية الماركسية عن العالم الرأسمالي، كما يوفر ظروفا لنجاحات تحققها نظرية الشيوعية العمالية.

و من جهة أخرى سوف تظهر للوجود أرضية خصبة لنمو ونضوج الحركات الراديكالية والاحتجاجية على كل النظام السائد، وذلك بعد تنامي وتصاعد التحركات العمالية والجماهيرية في كل البلدان احتجاجا على الظروف المأساوية  التي أفرزتها البرجوازية. وسوف يسعى حزبنا لكي يكون في طليعة النضال وفي قلب الحركات الاحتجاجية ضد هذه الظروف، نظريا وسياسيا، حاملا راية الماركسية، والشيوعية العمالية، والنقد الاشتراكي والعمالي للوضع الموجود.

 

8- الأزمة الاقتصادية العالمية سوف تتفاقم إلى أزمة سياسية اقتصادية، والتي تواجه الجمهورية الإسلامية منذ فترة زمنية، و سوف تشتد أضعاف المرات.  الجمهورية الإسلامية لم تستطع قط توفير ظروف استقرار سياسي اقتصادي لعنصر رأس المال في إيران، و أخذت  الأزمة الراهنة تحبط  آخر مساعي النظام في هذا المجال تماما، ما يضطر الحكومة إلى سلوك طريق اقتصادي  مسدود تماما ،و مأيوس منه.  يرتبط  اقتصاد الجمهورية الإسلامية  أساسا، بسوق الرأسمال العالمي عن طريق الاعتماد المصرفي والصادرات والواردات ، وخاصة صادرات النفط، و عبر هذا المجاز سوف تكون للازمة الحالية آثارا سريعة فورية وواسعة على اقتصاد الجمهورية الإسلامية. وهذه الأوضاع تعني بالنسبة للنظام مزيدا من المتاعب والخلل في أداالعالمية والحزببة للجماهير فتعني استفحال الغلاء والبطالة والفقر و المصائب المتزايدة.و لكن في الوقت ذاته و بفضل حضور ونفوذ الحركة الشيوعية العمالية العالمية والحزب الشيوعي العمالي، سوف تنضج الظروف السياسية في إيران لمواجهة هذه الأوضاع، و تحقيق جواب الطبقة العاملة على هذه الأزمة. إن الأوضاع هذه تعني أن تجريد برجوازية البلدان الأخرى من السلطة السياسية والاقتصادية سوف يوفر ظروفا أكثر ملائمة و نضوجا للعمل ضد النظام الجمهوري الإسلامي.

 

9- الجمهورية الإسلامية نموذج صارخ للوحشية  ، و  لمأزق البرجوازية العالمية وطريقها المسدود في نفس الوقت ، وأن الحزب الشيوعي العمالي يمثل تجليات الاحتجاج والنقد الإنساني والاشتراكي الطبقي العمالي ضد النظام و المنظومة الحاكمة. و اليوم تحول الحزب الشيوعي العمالي إلى قوة سياسية فرضت نفسها على الساحة، وحقق حضوره القوي الفاعل بين الجماهير، ويحظى بشعبية واسعة عند أوسع شرائح المجتمع. هذه الظروف وفرت للطبقة العاملة أوضاعا ملائمة ومساعدة لطرح حلها الإنساني للأزمة الرأسمالية، أي قلب الحكومة الإسلامية الرأسمالية وإلغاء العمل الأجير، و إقامة الجمهورية الاشتراكية.  يناضل حزبنا بكل قواه  في هذا السبيل. إن  انتصار الاشتراكية في إيران، سوف يغير موازين القوى لصالح الحركة الاشتراكية في العالم ، و سوف يدفع  الطبقة العاملة العالمية خطوة واسعة إلى الأمام في نضالها  ضد النظام الرأسمالي، و كل أزماته ومصائبه ومآسيه.